تحتفل دارة الفنون بـ25 عاماً من دعمها للفنون. تعود قصّتها إلى العام1988 مع مبادرتها بمشروع يهدف إلى رعاية الفن وفناني الأردن والعالم العربي. والآن، تضمّ دارة الفنون ستّة مبانٍ تاريخيّة ومستودعات، وموقعاً أثرياً تم ترميمها جميعاً. تنظّم دارة الفنون المعارض الفنيّة، عروض الأفلام، وبرامج تعليميّة، وتستضيف العروض الأدائيّة والحفلات الموسيقيّة. كما تقدّم منحاً مخصّصة للدراسات العليا في الفن العربيّ الحديث والمعاصر، إضافة إلى برنامج إقامات فنيّة، ونشر المطبوعات المتخصصّة بالفن.
بات بيندر وغيرهارد هاوبت: ما الذي دفعك لتأسيس دارة الفنون خاصة وأنك فنانة؟ وكيفت كانت الظروف في الأردن آنذاك؟
سهى شومان: بدأت التجربة على أرض الواقع في العام 1988، حيث قمت بإدارة النشاطات الفنيّة في مقر المركز العلمي الثقافي التابع لمؤسسة عبد الحميد شومان، أولى المؤسسات الخاصة في المنطقة والتي أُسست في عام 1978 لتعزيز البحث في مجال العلوم والإنسانيات. وكان زوجي خالد شومان نائب رئيس مجلس إدارة المؤسسة. وكوني فنانةً، تعلّمت على أيدي الفنانة التركية الأردنية فخر النساء زيد، كان من الطبيعي أن آخذ بزمام المبادرة وإدارة تلك النشاطات.
في ذلك الوقت، لم يكن الفن العربي يحظى باهتمام في ساحات الفن العالمية، وكانت المعرفة بالفن العربي المعاصر محدودة، ناهيك عن الفنانين العرب الذين حصّلوا من الدعم نزره. علاوة على ذلك كان الفنانون الأردنيون أقل حظًا من زملائهم في دول عربية أخرى. فالأحوال في الأردن أصعب من غيرها، إذ أتت موجات اللاجئين من الدول المجاورة على البنية التحتية في لحظات فارقة في تاريخ بناء الوطن. وعندما تشح الموارد، لا تعود الفنون أولويّة. لذا أدركنا أهمية دور المؤسسات الخاصة في دعم الفن. في ذلك الوقت لم يكن هناك مؤسّسات خاصة ترعى للفنون.
بدأنا بإقامة معارض للفنانين الأردنيين والعرب ودفعنا في اتجاه تبادل إقليمي وحوار بين الفنانين العرب. ونظمنا المعارض الفردية والجماعية للفنانين الكبار والناشئين على حد سواء. ونظمنا محاضرات فنية ولقاءات نشرت في كتاب حوار الفن التشكيلي. كما أقيمت معارض لفنانين فلسطينيين أثناء الانتفاضة الأولى ولفنانين عراقيين ولبنانيين، ممّن التجؤوا بالأردن إثر اندلاع حرب الخليج الأولى، والحرب الأهلية اللبنانيّة. وأصبحت قاعة العرض ملتقىً للفنانين.
أدركنا حينها الحاجة الماسّة إلى مركزٍ فنيٍّ متخصصٍ يختلف دوره عن دور المتحف ودور قاعات العرض التجاريّة، ليكون فضاءً فنيّاً ومساحة مفتوحة للفنانين، حيث يعملون ويتحاورون ويعرضون تجاربهم بحريّة وتجدّد. ومن ثم بدأت فكرة إنشاء دارة للفنون تتحقّق تدريجيّاً، وبادرنا في عام 1992 بترميم مبنى تاريخي في موقع مطل على قلب مدينة عمّان.
بات بيندر وغيرهارد هاوبت: هل كانت تحمل اسم دارة الفنون آنذاك؟ وأي نوع من المعارض أقمتم؟
سهى شومان: كلا، فمن خلال التجربة الرامية إلى تلبية احتياجات الفنانين وجمهور الفن في الخمس سنوات الأولى، أدركنا أهمية إنشاء دارة للفنون. وافتتحناها في عام 1993 بمعرض في المبنى الرئيسي ضم 50 فنانًا عربيًا معاصرًا وحفل موسيقي في ساحة الآثار. بذلك تبلورت رؤيتنا لدارة للفنون تحتضن الفن والفنانين من خلال توفير فضاء متخصص بالفنون البصرية وأشكال التعبير الفني المختلفة وإقامة المعارض الفنية والعروض الأدائية وتقديم الأفلام والحفلات الموسيقية والفعاليات الثقافية.
لعبنا منذ البداية دوراً رائداً في استضافة فنانين من الأردن والعالم العربي، والتعريف بهم، أكانوا من كبار الفنانين مثل: فخر النساء زيد، سامية حلبي، آدم حنين، فريد بلكاهية وشاكر حسن آل سعيد، أم كانوا من الفنانين المعاصرين مثل: إميلي جاسر، آمال قناوي، أحلام شبلي، هراير سركيسيان، عادل عابدين ومنى حاطوم. ضمّ برنامج عروضنا الفنيّة معارض استعاديّة وفرديّة، وأخرى تتناول موضوعاً محدّداً. وأقام عدد من الفنانين معارضهم الفردية الأولى في المنطقة فى دارة الفنون.
رُمم المبنى الرئيسي في دارة الفنون ليضم قاعات عرض فنيّة ومكتبة متخصّصة بالفنون، ومحترفات. شيّد المبنى الرئيسي، وهو من أقدم بيوت عمّان، من قبل نمر باشا الحمود رئيس بلدية السلط في العشرينيّات، وكان سكناً للقائد البريطاني للجيش العربي الأردني العقيد «ف. جي. بيك» حتى العام 1938، ثم أصبح نادياً للضبّاط البريطانيين حتى رحيل كلوب باشا وتعريب الجيش في العام 1956. يسرد المبنى الرئيسي تاريخ الأردن الحديث، أما الموقع الأثري في حديقة دارة الفنون (كنيسة بيزنطية من القرن السادس الميلادي بنيت فوق معبد روماني)، فيحدثنا عن تاريخ الأردن القديم. وبتكريس الموقع للفنون المعاصرة، يروى فنانينا تاريخ وواقع الأردن والعالم العربي في أيامنا هذه.
ثم أضيف مبنى ثانٍ في عام 1994 وهو "البيت الأزرق"، وكان قد شُيّد بأيدي عمّال أردنيين شراكسة، للسيد إسماعيل حقي باشا الحاكم العسكري لمدينة عكّا في فلسطين. وفي الحديقة الأمامية لهذا المبنى هيّأنا مقهى لروّاد الدارة.
وفي عام 1995 تم تجديد مبنى ثالثٍ، ليكون سكناً لإقامة الفنّانين الزائرين. والذي كان سكناً لشاعر الثورة العربية الكبرى الشيخ فؤاد الخطيب، ولاحقاً مقرّاً لرئيس الوزراء سليمان النابلسي. وفي العام 2002، كرسنا المبنى الثالث لذكرى خالد شومان راعي دارة الفنون، وأسميناه "دار خالد"، وأنشأنا مؤسسة خالد شومان وأصبحت دارة الفنون تحت مظلتها.
بات بيندر وغيرهارد هاوبت: كان لأكاديمية دارة الفنون الصيفيّة بإدارة مروان قصاب باشي تأثير كبير على الفنانين الشباب. حدثينا عن هذه التجربة.
سهى شومان: أدار الفنان السوري مروان قصاب باشي المقيم في برلين "أكاديميّة دارة الفنون الصيفيّة" من العام ١٩٩٩ حتى العام ٢٠٠٣ وقدم دروساً مكثفة في الرسم لفنانين ناشئين من الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق، ليصل عدد الفنانين الذين درسوا في الأكاديمية على مدار الدورات وسنواتها الأربع أكثر من 60 فنانًا. وتعاوننا مع عادلة العايدي هنية مديرة مركز خليل السكاكيني الثقافي لاختيار المشتركين من فلسطين، لاسيما من غزة. ونشعر بالسعادة والفخر لأن الأكاديميّة كانت بمثابة خطوة ساهمت في إطلاق مسيرة بعض هؤلاء الفنانين. وكانت هذه المبادرة الأولى من نوعها في المنطقة.
بات بيندر وغيرهارد هاوبت: ومتى توسعت دارة الفنون توسعًا ملحوظًا، دُشن بالتزامن مع مشروع التعاون مع متحف تيت مودرن؟
سهى شومان: رممنا في العام 2011 مبنى موازياً لدارة الفنون يعود إنشاؤه إلى ثلاثينيّات القرن الماضي وأصبح المبنى مقرّاً لمؤسسة خالد شومان ومركزاً للباحثين في مجال الفن العربي الحاصلين على "منح دارة الفنون السنويّة للدراسات العليا في الفن العربي الحديث والمعاصر"، وهو البرنامج الذي أطلقناه في نفس العام تحقيقاً لرسالتنا في دعم الفن العربي وأبحاثه وتوثيقه. كما يُعرض في «الـمَقَرّ» أعمال فنية من مجموعة خالد شومان الخاصة.
كما افتتحنا «المختبر» في ثلاثة مخازن تم تجديدها، لتوفير مساحة تجريبيّة للفنانين الشباب وللمشاريع المبتكَرة. وقمنا احتفالاً بهذه المناسبة، بافتتاح معرض "خارج المكان" وهو معرض تعاون وتبادل مع متحف "تيت مودرن" في لندن.
بات بيندر وغيرهارد هاوبت: بعد ترميم بيت البيروتي ومبنى للفنانين في إقامة وافتتاحهما بمعرض "حوار في عمّان"، هل تشعرين بأنّ، بشكل أو بآخر، رؤيتك قد اكتملت؟
سهى شومان: نعم، يغمرني هذا الشعور. إذ تشكّل اليوم مباني دارة الفنون، والتي شيّدتها عائلات أردنيّة وفلسطينيّة وسوريّة ولبنانيّة، ذاكرةً حيّة لتاريخ الأردن والتاريخ المشترك لبلاد الشّام، وواحةً للفنون في قلب مدينة عمّان. يقصدها الزوّار للاستمتاع بمعارض الفنون المعاصرة، أو مشاهدة المباني التقليديّة، أو حضور الفعاليات في ساحة الموقع الأثري، أو لقراءة الكتب في المكتبة، أو العمل في المحترفات، أو التنزّه عبر الحدائق. وبترميم المباني وإعادة الحياة إليها، ساهمت دارة الفنون بالحفاظ على التراث المعماري والحضاري والتاريخي في الأردن. وممّا أثرى المباني، إعادة تكييفها لإشاعة رؤى الفن العربي، لتجمع دارة الفنون بين القديم والجديد، الماضي والحاضر، التراث والحداثة، إيماناً بالطاقات الإبداعيّة في المجتمع العربي المعاصر، ودور الشباب في بناء المستقبل. دارة الفنون اليوم، تنبض بالحياة وتحتفي بالفنون في قلب ثقافتنا.
بات بيندر وغيرهارد هاوبت: هل يأتي الاحتفال بعيدكم الخامس والعشرين ودعوة منسّق برازيلي وفنانين من العالم العربي ومن آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية متماشيًا مع رؤية دارة الفنون؟
سهى شومان: تسعى دارة الفنون إلى توفير منبر حيوي متجدّد للفنانين العرب المعاصرين، يثريه الحوار والتبادل الثقافي والفني، عبر دعمها للممارسات الفنيّة، وتحفيزها للخطاب النقدي والبحثي واستقطابها للطاقات الإبداعيّة. ومنذ البداية، بادرنا بعمليّة التبادل الفنّي بين فناني المنطقة. وما دعوة القيّم الفنّي أدريانو بيدروسا لتنسيق معرض "حوار في عمّان" إلا خطوة في هذا الاتجاه، إذ يتعزّز التبادل بين الفنانين من المناطق المهمّشة، أي التبادل الفنّي الجنوبي-الجنوبي، ليس فقط بتجاور أعمالهم جنباً إلى جنب في معرض أو مطبوعة، بل الإقامات الفنيّة وبرامج الحوارات، وعبر منحهم إمكانية تبادل خبرات وممارسات بعضهم البعض الفنيّة. وعلى مدار شهرين، احتضنت دارة الفنون 14 فنانًا وفنانّة بإبداعهم ومشاريعهم الملهمة، تحاوروا مع أعمال فنيّة لخمسة عشر فناناً من مجموعة خالد شومان الخاصة.
بات بيندر وغيرهارد هاوبت: ماذا عن فعاليات دارة الفنون في عام 2014؟
سهى شومان: من أبرز معارضنا القادمة معرض فردي لنداء سنقرط يفتتح في أيار/ مايو القادم، ومعرض لإيملي جاسر في تشرين ثاني/ نوفمبر.
هاوبت و بيندر
جيرهارد هاوبت وبات بيندر رئيسا تحرير مجلة الفن نفس وشركاء في نشرها، وينشرا منذ عام 1997 المجلة الإلكترونية عوالم في عالم - عوالم الفن، ويعيشا في برلين - ألمانيا.
المؤسسة والرئيسة: سهى شومان
المديرة الفنية: إلين فان دير فليست
الذكرى الخامسة والعشرين لدعم الفنون تقدم:
حوار – حوار في عمّان
المعرض، الإقامات، المحادثات
9 تشرين الثاني/نوفمبر – نيسان/أبريل 2014
فنانون من العالم العربي، أفريقيا، آسيا، وأميركا اللاتينية
القيّم الفني: أدريانو بيدروسا