يشهد شهر نوفمبر الحالي الظهور الأول للعرض المنفرد في لندن للفنانة المصرية-الألمانية سوزان حيفونة وذلك في جاليري ألبيون الفخم، ويأتي هذا بعد عرضها المنفرد الذي حدث في ألبيون نيويورك في وقت سابق من السنة الحالية.
يجذب حيفونة الشكل التجريدي للتركيبات، بما فيها التركيبات العضوية مثل الجزيئات و "الحمض النووي (دي إن ايه)" أو العناصر، والإنشاءات المعمارية مثل مشاهد المدن و"المشربيات" (السواتر الخشبية منحنية الشكل التي توجد في كثير من المنازل التاريخية في القاهرة وفي أرجاء الشرق الأوسط.)
عندما عُرِضَت باكورات رسوماتها في ألمانيا والقاهرة في بدايات التسعينات، تفاجئت حيفونة وبعد ذلك تأثرت من الاستجابات المختلفة جداً التي استنبطها المشاهد لها. في ألمانيا تفسرت الرسومات بشكل رئيسي كفن تجريدي. ولكن في مصر أدرك الجمهور فوراً الشكل المألوف للمشربية. وهنا أدركت حيفونة أن تفسير أعمالها اعتمد ليس فقط على الأعمال نفسها وإنما أيضاً على البيئة التي عُرِضَت فيها – مما يعني "أنه لاتوجد حقيقة واحدة، وإنما طبقات من التفسيرات أو الإدراكات الحسية".
واصلت الرسومات والتركيبات والصور اللاحقة استخدام مجاز المشربية لللعب على مفهوم ما هو مخبأ وما هو ظاهر للعيان. المشؤبيات كما هو معروف تحمي العالم الداخلي من العالم الخارجي بترشيح للضوء سامحة للمرء أن يراقب بدون أن يكون مرئياً. تخلق المشربية انفصال – للداخل غن الخارج وللنساء عن الرجال وللعائلة عن الغرباء وللحرام عن الحلال. تفليدياً أتاحت المشربية الرؤية في اتجاه واحد فقط – من الداخل إلى الخارج، لكن حيفونة أدرجت كلمات في تماثيل مشربيتها وأتاحت للمشاهد أن يقرأ بوضوح من كلا الجانبين. "أصبحت المشربية بالنسبة لي رمزاً يعمل في اتجاهين فيه إمكانية للحوار وليس الانغلاق."
الكلمات المدرجة على التماثيل مكتوبة باللغات العربية والانجليزية والألمانية - الصبر جميل، انت عمري. وتفسير هذه الكلمات لايعتمد فقط على فهم اللغة التي كُتِبَت بها ولكن أيضاً على جانب الشاشة الذي يقف الناظر أمامه. من الجانب الخلفي، يبدو النص المكتوب مقلوباً ومن الصعب فك رموزه.
من خلال إدراجها لنص بلغة أجنبية إلى المشربية التي تمثل رمزاً من رموز التقاليد العربية، لاتنشئ حيفونة إمكانية للحوار فقط وإنما تقدم أيضاً عنصراً مزعجاً لأداة محلية لها حُرمَتها. فالمرء ينتابه الشعور بأنه غريب حتى في رغادة منزله. التمزق متأصل في كل شخصية وهوية. من خلال الترجمة الحرفية لعبارات عربية مشهورة محلياً مثل عبارة الصبر جميل، تعتمد حيفونة على تجربتها الشخصية للمعاني التي تضيع عند ترجمتها. تماماً كما هو الحال في المجاز الذي توحي به المشربية حيث يوجد دائماً شيء في الوسط. تقول حيفونة، "معظم الناس لا يستطيعون رؤية العالم بدون عروض اجتماعية وثقافية."
عند النظر من مسافة بعيدة، تستطيع فك رموز النص المكتوب على تماثيل المشربية من أعمال حيفونة. بينما عندما تنظر عن قرب، يصعب عليك القراءة. الوطن يكون بعيداً دائماً وتخفف عن المرء الوعود بالعودة. في الواقع، فإن التفاصيل لاتتلائم أبداً مع التوقعات. وبرغم قضائها لكثير من السنوات في مصر وألمانيا، فإن حيفونة تعلق، "يتخلل أعمالي شعور الملاحظة الدائمة أينما أعيش أو أنتمي".
رسومات حيفونة المتعددة الطبقات، التي تعرض أيضاً في معرضها القادم في ألبيون، هي أعمال يدوية على العديد من صفحات الورق الشفاف مما يعطيها شكل ثلاثي الأبعاد تقريباً. ولقد أدخلت مؤخراً نص مطرز في رسوماتها، فكلمة "إنتباه" مطرزة على طوال السطح. في بعض المناطق، تظهر علامات التخريم في الورقة وذلك في الأماكن التي لم يلتقط فيها الخيط. ليس من السهل فك رموز النص دائماً. فيمكن مثلاً قراءته "في حالة توتر" بدلاً من "إنتباه". تعدد الطبقات والغموض في الرسومات يجعلها قابلة لكثير من التفسيرات، حسب ادراك الشخص الحسي لها- وهذا يتراوح من سواتر النوافذ القضبانية الحديثة إلى المشربيات إلى مشاهد المدن – وأكثر من ذلك إلى تفسيرات اجتماعية وسياسية. النص الذي بالكاد يمكن قراءته وعلامات التخريم يوحيان بتمزق في الشخصيات والهويات وبمعاني خفية وباطنية.
سوزان حيفونة مثال حي من زوايا كثيرة للفنان "العالمي" الذي يعيش في عصر "العولمة". فمن خلال اقامتها في المدينة وعيشتها بين ألمانيا ومصر، تقضي الكثير من وقتها في الترانزيت وفي العمل في طريق السفر أكثر من عملها في الاستوديو التقليدي للفنانين. لقد كُتِبَ عنها كفنانة وعن أعمالها كلاهما معاً بوصفهما متعددا الثقافات ويتمتعان باتصال عابر للثقافات، ولكن بقصد الإنعاش أكثر منه لفعالية استعراضية. اختارت حيفونة أن تتطرق لارث حضارتها كمجرد صورة يمكن فحصها واستهلاكها والتعليق عليها. بغض النظر عن الاعجاب العالمي الحقيقي بأعمالها، تبين الاستجابات لأعمالها دائماً أنه بخلاف تفسير حيفونة، تعتمد التفسيرات لأعمالها وتبقى متزامنة إلى أبعد الحدود مع مكان وشخصية من يفسرها.
Juliet Cestar
Curator, writer, and photographer, specialised in contemporary art from the Middle East. Worked at the Asia House in London, before joining Rose Issa at Beyond Arts Productions.
سواتر مشربية ورسومات وصور وأعمال تركيبية
25 نوفمبر 2008 – 12 يناير 2009