تكمن نقطة انطلاق معرض " لئلا يلتقي البحران" في لحظة – يصعب القبض عليها – يتحوّل فيها الأفراد إلى ذات جماعية، وتبدأ فيها الروايات والرغبات والتطلعات الفردية بتشكيل حركة اجتماعية كفيلة بأن تترجم احتياجات الأفراد واستيائهم إلى نشاط سياسي. ويضم أعمالاً لفنانين مشهورين مثل منى حاطوم وإميلي جاسر ووليد رعد الذين كسبوا الاحترام على الساحة الدولية، فضلاً عن فنانين في منتصف حياتهم المهنية وفنانين شباب من الشرق الأوسط والصين وكوريا وسنغافورة وأوكرانيا وبولندا، ما يسلّط الضوء على الطابع العالمي للممارسات والمواقف التحررية. وقد حرص القيّم على المعرض طارق أبو الفتوح على مقاربة هذا المعرض كمهمة فلسفية تهدف إلى الكشف عن الطابع العالمي للتحوّل من المجال الخاص إلى المجال العام الذي يندرج في مسار يتم في الجسد ويؤدي إلى أنواع مختلفة من التحوّلات السياسية. (من المقدّمة، متحف الفن المعاصر في وارسو)
نص القيّم على المعرض
"يبدو الأمر غامضاً جداً ومن الصعب أن أشرحه ولكنني أشعر بأنني أتأرجح على حافة الهاوية. أتصور أنه لحظة سقوطي، سينبت الريش الملوّن من بشرتي ومن عمق روحي، سيتفتّح الريش كالعشب". [1]
في السنوات القليلة الماضية، شهد العالم احتجاجات تجسّد المطالب بالعدالة، والإصلاحات الاجتماعية، والتحوّل السياسي، التي تطورت في بعض الحالات بشكل فجائي إلى حراك مدني وحروب. وكان الجسد البشري في قلب هذه الأحداث، تتم تعبئته ونشره كأداة للمقاومة من خلال تكتيكات واستراتيجيات مختلفة منذ تضحية محمد البوعزيزي بنفسه في تونس في العام 2010. وقد أثار هذا الحادث المميت موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات، فتولّت الشعوب مبادرة العمل، واحتشدوا في الشوارع والساحات، وساروا في مظاهرات ضخمة، وشاركوا في حركات احتلال في أرجاء العالم كافة.
لا ظهور للسياسة في غياب الجسد، ولا قيام للأعمال التحررية في غياب جسد جماعي تعددي يحتل الساحات. فإن كل مشارك في هذه الاحتجاجات يقدّم جسده الذي يتخذ عندئذ شكلَيْن، فردي وجماعي، في ظل ظروف يشوبها الغموض. ولعدة قرون، لم ينفكّ الكتّاب والفنانون والفلاسفة والمفكّرون يقترحون أفكاراً ومفاهيم مختلفة لإجلاء هذه الحالة المرحلية. في هذا الإطار، اقترح الصوفي ابن عربي (1165 - 1240) مفهوم "البرزخ" الذي يعني خطاً غير مرئي يقسم "بحرَيْن" بحيث أن يكون لكل بحر درجة حرارة ونسبة ملوحة وكثافة خاصة به. يستخدمه ابن عربي ليشير إلى أي شيء يقسم كيانَيْن ويجمعهما في آن معاً.[2] ويعتبر ابن عربي أيضاً أن البرزخ يدل على مكان وزمان بين الحياة والموت، وبين المادي والمعنوي، وبين الموضوعي والذاتي، وبين الجسد والروح. أما مصطلح "البرزخ الأعلى" فيستعمله كمرادف للخيال المطلق، والكون، وعالم الأشياء الممكنة، التي ليست ضرورية أو مستحيلة بحد ذاتها، ولا محدودة أو محدودة.[3] في المقاومة، يغيّر الجسد وضعه ليدخل في حالة غامضة يمكن وصفها بالبرزخ.
يستكشف معرض "لئلا يلتقي البحران" السبل التي تستجيب فيها موضوعات ومجموعات من الأعمال ومواقف فنية معيّنة لحالات وظروف معقّدة للغاية لحلّها فيما ترسم ديناميات قد يكون من الصعب تجسديها بطريقة مختلفة. فيعمد المعرض إلى تقديم استكشافات فنانين مختلفين للجسد البشري من خلال ملامحه التقليدية، وأجزائه، ووضعه كوسيلة للمقاومة في الحياة المعاصرة، وبالتالي مكانته باعتباره وسيلة للتحرّر ومساهمته في خياله المستقبلي، في شكل وضعه ما بعد البشري.
ملاحظات:
طارق أبو الفتوح
* من مواليد القاهرة، مصر. يقيم في بروكسل، بلجيكا. قيّم على معارض فنية، ومهندس معماري، ومدير صندوق شباب المسرح العربي من العام 2002 إلى العام 2014، ومنشئ نقاط التقاء.
القيّم على المعرض: طارق أبو الفتوح
مساعدة القيّم على المعرض: ماغدا ليبشكا
الفنانون المشاركون:
باسل عباس وروان أبو رحمه، هايغ أيفازيان، جنان العاني، دعاء علي، فرنسيستشيك بوشنر، علي شرّي، دانون اكسينغ، جوانا حجي توما وخليل جريج، منى حاطوم، صبا عناب، إميلي جاسر، نيكيتا كادان، راج كمال كحلون، أمل قناوي، جان كريستوف لاكوتان، مهى مأمون، باسم مجدي، جمانة منّة، لادا ناكونشنا، هو تزو نيان، وليد رعد، خليل رباح، فلادا رالكو، ميكولا ريدنيي، سيو مين جيونغ، شريف واكد، ألكسندرا وليزوسكا، أندري وروبلوسكي.
لئلا يلتقي البحران
12 شباط/فبراير - 23 آب/أغسطس 2015