يونيفرسس إن يونيفرس: في أيّ إطار ثقافيّ وأيّ مشهد فنيّ في الرباط وغيرها في المغرب يعمل لا أبارتيمان 22؟ مالذي دفع بك لتبدأ مشروعا كهذا؟
عبدالله كرّوم: مرّ المغرب بتغيّرات ثقافيّة مميّزة خلال السنوات القليلة الماضية. التطوّر السريع في تكنولوجيا المعلومات الحديثة وخاصة الإنترنت سمح بالتناول الواسع للثقافة في بلاد أخرى من العالم. بالرغم من ذلك، وبسبب عوامل هيكلية مختلفة، ما تزال المغرب مستهلكة أكثر منها منتجة للثقافة. وهناك كذلك نقص حاد في فرص العرض والتوزيع للفنانين الشباب. دور العرض الغير ربحية قليلة العدد وتديرها الدولة وبرامجها ليست محددة من خلال سياسات فنيّة جادة. بالحقيقة، المسؤولون عن البرامج لهذه المساحات ليسوا عاملين بالفن بل موظفون في وزارة الثقافة.
لا أبارتيمان 22 هو إستجابة للوضع وبالأساس نتيجة صدفة. بالأصل كان مقصودا أن تكون الشقة بيتي الشخصي. بعد أن أنهيت دراستي في أوروبا خططت أن أدرّس في الجامعات والمدارس الفنية في المغرب. كانت لديّ صورة واضحة لكيف يمكن أن تتطوّر النشاطات الثقافيّة في إطار هذه البلد. جئت إلى الرباط لأساعد في إنشاء قسم فنون في جامعة مغربية ولأعمل مع فنانين وأن أقضي بقيّة وقتي في كتابة الكتب. في نهاية المطاف قررت أن أستعمل شقتي الخاصة كمساحة بديلة للنقص في إهتمام المساحات المؤسساتية الموجودة حاليّا بأنواع أشكال الفن التي تهمني أنا فعلا. وبذلك أصبح لا أبارتيمان 22 مساحة للحريّة للفنانين ولي أنا.
الهدف صاحب الأولوية الأعلى هو خلق حضور لأعمال فنيّة ومنح الفنانين فرصة للقاء العامة. يتعلّق هذا كثيرا برغبتي أن أفكر مع الفنانين بالطرق المختلفة للتواصل والعرض ولكن أيضا بقصدي أن يشترك العامة بالتجربة الفنيّة في المغرب وأماكن أخرى في العالم. لا تحتاج أبدا النطاق الكامل من المعدات التقنيّة والأجهزة لصنع أعمال ومعارض ذات قيمة. وجُب فقط أن تستمع للفنانين وأن تنتبه للجمهور. يقدّم لا أبارتيمان 22 فنانين مشهورين أصلا (أحمد السيّد، فؤاد بيلأمين، فابريس حيدر، جان-بول تيبو وغيرهم) بالإضافة إلى فنانين شباب مثل يونس رحمون وصفاء الرواس، وتلاميذ مدرسة الدراما والإستعراض الثقافي (ISADAC). الأهم من هذا كلّه أن الشقّة هي مكان إلتقاء للفنانين الذين يتعاملون مع الأحداث العالميّة الحاليّة. بالأساس، الأمر هو إعطاء معنى للنشاطات الثقافيّة وتوفير تعريف للفن الذي يتطوّر من الزمان والمكان حيث يعيش الفرد. سيسعدني لو جلبت عددا أكبر من الفنانين للشبكة العالميّة للفن المعاصر، خاصّة من الجيل الشاب، أولئك الفنانون الذين يعملون بالمواد التي نجدها في كل مكان في حياتنا اليوميّة.
يونيفرسس إن يونيفرس: أيمكنك أن تصف لنا المساحات والمرافق في لا أبارتيمان 22، وشخصيّة الحيّ المحيط؟
عبدالله كرّوم: يقع لا أبارتيمان في قلب الرباط – عاصمة المغرب الإداريّة ومركز كلّ الوزارات – في مبنى من عشرينات القرن الماضي ويواجه مبنى البرلمان المغربي.
يترك الجوّ في الحيّ إنطباعا عن الحياة في البلد، كما في شارع محمّد الخامس، حيث يلتق الشباب ويتمشون في المساء. لكنها أيضا المقاطعة حيث تعترض الشرطة، بشكل يوميّ تقريبا، طريق التلاميذ الغاضبين والعاطلين عن العمل الذين يحاولون الوصول إلى مبنى البرلمان. لا يطاق هذا الأمر أحيانا خاصة عندما تلاحق الشرطة المعترضين بالعصي المطاطيّة...
يتلاعب لا أبارتيمان بالمفارقة بكونه مساحة صغيرة جدا وكبيرة جدا في نفس الوقت. حتى تحقق الدخول لـ لا أبارتيمان 22 يجب أن تجد أولا مدخل بناية قديمة ليس لها رقم بيت فتصعد الدرج للطابق الثالث. المساحة الفعليّة هي 30 مترا مربعا فقط ولكنها بالمقارنة مع كل ما يحدث فيها فالمقاسات تتجاوز ذلك بكثير. تجذب الأعمال الفنيّة والمقترحات دائما ردود فعل من خارج لا أبارتيمان 22، إن كان من خلال المبادرات التربويّة أو الأداءات الإستعراضيّة في المدينة أو المنشورات التي تقدّم متابعات حسّاسة وفكريّة للأعمال.
يونيفرسس إن يونيفرس: أتسمي لنا بعضا من المعارض التي قدّمت في لا أبارتيمان 22، وأن تشرح لنا مفاهيمها؟ كيف تمّ التعاون مع الفنانين تحديدا؟
عبدالله كرّوم: أوّل معرض في لا أبارتيمان 22 هو “JF-JH individualités” (شابة – شاب، شخصيّات). تطوّرت الأعمال لهذا المعرض في مساحات الشقّة من ضمن إطار إقامة الفنانين لمدة أسبوعين. التركيب الفني المسمّى “Brisa”، مثلا، والذي صنعته صفاء الرواس للمعرض، قُدّم فيما بعد في بينالي الفنانين الشباب من أوروبا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط 2005 في نابولي. المبدأ الرئيس لتعاون الفنانين في إطار العنوان
“JF-JH” هو لتناول التعقيدات في العلاقة ما بين الرجال والنساء في المغرب واستمر في معارض أخرى:
JF-JH Cohabitation, JF-JH Agreements, JF-JH Complicity (شاب-شابة تعايش، شاب-شابة تفاهم، شاب-شابة تآمر). أتأمّل، في الأشهر القليلة القادمة، أن أتابع هذا المبدأ التعاونيّ بمشروع عنوانه “JF-JH Freedoms”، حيث سيشترك فيه عدد غير محدد من الفنانين.
كما أقيمت معارض مع فنانين مشهورين مثل فؤاد بيلأمين وفؤاد بوجماوي. دُعي بيلأمين لـ
“Une leçon de peinture” (درس تصوير): قام الفنان بأداء عمله أمام جمهور لمدة طالت عن الشهر. ترك هذا العمل إنطباعا قويا على الجمهور وأثار حوار العامّة. بادر بوجماوي بمعرض “SuperTea”، الذي تألف من ثلاثة أجزاء وثلاثة أعمال وثلاثة طرق تناول منهجيّة. سمح له هذا أن يمتحن نواياه وأن يشارك الجمهور إحساسه وحساسيّته. تجاوزت تمثيلاته مساحة المعرض بضمّها موضوعات ثقافيّة وسياسيّة تتناول إطار الإبداع الفني في المغرب وخارجه.
يونيفرسس إن يونيفرس: كيف تجاوب الجمهور مع هذه المشاريع حتى الآن؟
عبدالله كرّوم: كان هناك إهتمام عميق من قبل التلاميذ والفنانين وكذلك من الجمهور المتطلّع للإحتكاك مع الثقافة. مع أنه لا يمكن رؤية لا أبارتيمان 22 من الشارع إلا أن الكثيرين يستثمرون في أن يجدوا المدخل حتى يحضروا نشاطات الشقة المتعددة. اللقاءات مع الفنانين ناجحة جدا لأن الجمهور المغربي يستمتع حقا بالتحدّث إليهم. قد يعزى ذلك إلى أن المجتمع المغربيّ مجتمع شفهي كما هو بصريّ. بالإضافة إلى ذلك، ومنذ البداية، لطالما خبّر الإعلام المغربيّ عن المساحة والنشاطات التي تُعقد فيها. بعد نهاية فعاليّة ما، عادة ما تجد أشخاصا يبقون مزيدا من الوقت ليلقوا أصحابا أو فنانين أخرين. وعندها تصبح النقاشات أكثر ليونة وإن كانت تحافظ على جديّتها. نتج العدد من المشاريع عن هذه اللقاءات غير الرسميّة.
يونيفرسس إن يونيفرس: ما هو التحدّي الأكبر في إدارة مكان كهذا؟
عبدالله كرّوم: إحدى علامات النّجاح أن هناك من تأثر بـ لا أبارتيمان لدرجة عقد عروض للفن في شققهم الخاصة. أمثلة جيّدة لذلك هي L’appart du 2e وLe 17e في الدار البيضاء. وأتمنى أن يستمر هذا في المستقبل. التحدّي الحالي هو أن يتمكّن المكان من تمويل نفسه. ما أتمناه هو، بالإشتراك مع الفنانين، أن يصبح ممكنا المزيد من التطوّر في الجانب التعاونيّ وأن نغذّي إهتماما أكبر لدى جامعي الفن والمؤسسات العاملة في مجال الفن المعاصر.
يونيفرسس إن يونيفرس: كيف تنظّم برنامج الإقامات؟
عبدالله كرّوم: هناك جانبان لمبدأ العمل الأساسي في لا أبارتيمان 22 وهما: إجتماعات طموحة وتعاون طموح. يتكون كل برنامج إقامة من بحث على عدة مستويات، في إطار الشقة والمدينة والدولة والعالم. هذا يضم تجربة مدروسة بشكل جيّد بأشكال ومواد مختلفة وليست محدودة بهذا الفراغ وحده أبدا. مساحة الإقامة هي شكل من أشكال "المقر الرئيس" أو "غرفة التحرير" لتطوير مشروع فنيّ يتجاوز المساحة الفعليّة لمعرض. ليس الفنان مضطرا لإقامة معرض إلا أننا دائما ننظم حوارات مفتوحة بين العامّة والفنان.
يبدأ برنامج لا أبارتيمان عادة بلقائي فنانا أو إكتشافي عمله الفني. ثم نعمل معا لإيجاد طريقة للتعبير عن نيّة ما من خلال معارض أومحاضرات أو إستعراضات أو من خلال وسائل أخرى. الأمر سيّان بالنسبة لي إن تحقق المشروع في لا أبارتيمان أو في متحف أو في قاعة محاضرات في جامعة أو في مساحة عامّة. عندما نواجه العامّة ألعب أنا دور المضيف والمنسّق والوسيط.
يونيفرسس إن يونيفرس: من ناحية لوجيستية، كيف تنظّم فترات إقامات الفنانين؟ فكيف تقرر مثلا طول المدة لإقامة ما؟ هل تدعو الفنانين الذين تعرف أعمالهم مسبقا فحسب؟ هل تنظر في كل الطلبات والعروض؟ خلال وجود الفنانين في الرباط، هل يقيمون في لا أبارتيمان؟ وكيف تقرر الشأن المالي؟
عبدالله كرّوم: ترتيط الإقامات في لا أبارتيمان دائما بمشاريع معينة. قد تستمر الإقامة حتّى خمسة أسابيع. بما أن لا أبارتيمان مساحة مدارة بشكل خاص فيتم إعداد كل مشروع من قبل الفنان والمضيف معا. يتم إختيار الفنانين بناءا على تقديمهم للمشروع يتبعه دعوة لتقديم الطلبات إلكترونيا على الإنترنت. يتم تمويل النشاطات والإقامات بشكل تعاونيّ. يعمل كلا من الفنان والمضيف في هذه العملية إن كان من خلال دعم الإنتاج (إستئجار أو شراء) أو أيّ منح خاصّة أو عامّة. عادة ما يتطلّب الأمر أن أقدّم أنا تكاليف الإنتاج، وهي مساهمة محدودة بالمقارنة مع ما تتكلّفه دور العرض. المؤسسة الوحيدة حتّى الآن التي تقدّم دعما صديقا لمشاريعنا هي السفارة الفرنسية في المغرب. أسكن في لا أبارتيمان عندما أكون في الرباط وبالتالي في حال وجود إقامة في نفس الوقت أجد مكانا آخر للفنان ليقيم به وهو أمر لا يحدث أكثر من مرتين إلى أربع مرات سنويا. يقيم الفنانون الأجانب غالبا مع زملاء محليين أو أصدقاء.
يونيفرسس إن يونيفرس: ينظّم لا أبارتيمان مشروع “Coprésence” (تعايش) في المغرب بالتعاون مع Asociación para la Medicación Cultural, Vejer de la Frontera (إسبانيا)، و Synethésie في فرنسا. هل يمكن لك أن تصف لنا بإختصار ماهيّة هذا المشروع وما هي النشاطات المعدّة للمغرب؟
عبدالله كرّوم: “Coprésence” هو مشروع تطوّر إثر إجتماع لثلاثة منسقين (آن ماري موريس من Synethésie، وسيسيل بورن من AMC في إسبانيا وأنا ممثلا لا أبارتيمان 22 في المغرب). بدأ الجزء المغربي عندما بادر فابريس هيبر بإنشاء متحفه "متحف البلاستيك" في مستهل رحلة تتبعت "طريق النفط" من المغرب إلى الشرق الأوسط خلال أندونيسيا. من خلال هذا المشروع وحتّى إفتتاح "متحف البلاستيك" في عام 2011 سيستمر فابريس هيبر بإستكشاف والتحقيق في علاقات أوروبا المختلفة بالإسلام.
بارتباطهما مع العمل على مفهوم “Absent Capital”، وهو مشروع سيتطوّر خلال الأشهر القليلة القادمة، أقام محمّد الباز وكريستوف بولانجير في لا أبارتيمان 22 خلال شهري يوليو وسبتمبر.
تعتمد جميع مشاريع “Coprésences” على جعل أعمال الفنانين جزءا لا يتجزّأ من الإطار المحدد وعلى مشاركة الجمهور. قد يكون تأثير المشروع محليّا أخذا بعين الإعتبار خطة العمل والتجربة المباشرة إلا أنه قد يكون عالميا ويعمل على مستويات فنيّة وإنسانيّة.
هاوبت و بيندر
جيرهارد هاوبت وبات بيندر رئيسا تحرير مجلة الفن نفس وشركاء في نشرها، وينشرا منذ عام 1997 المجلة الإلكترونية عوالم في عالم - عوالم الفن، ويعيشا في برلين - ألمانيا.
المؤسس ، المدير:
عبد الله كروم