كثيرًا ما يخطئ النقاد عندما يعتبرون أعمالَ الفنانات المنتَجة في أوج الموجة النسائية "نسائية"، دون أن يأخذوا في الاعتبار الخطاب المقترح حقيقة وسياق هذا الإنتاج تحديدًا ومجمل أعمال الفنانة. ويُغفل أن ثمة عنصرًا أساسيًا في الفن النسائي وهو أن الفنانات "اللاتي يندرجن تحت هذه الفئة" هن من اتخذن هذا القرار بمحض إرادتهن، فأعلعن استقلالهن وسلطن ضوءًا إيجابيًا على الفرق بين الأعمال الفنية للنساء والرجال، بعد أن تسائلن في آن عن الفن السائد ومكانة المرأة في تاريخ الفن. والعديد من النساء حينذاك، وبالرغم من معرفتهم بالموجة النسائية والاستفادة من الظروف المتنامية، لم يعبرن عن موقف ذاتي واختلفن عن الوضع السائد ولم يقدمن ما يعبر عن المرأة بشكل خاص، بل تطرقت بعضهن إلى قضايا ملحة أخرى كثيرًا ما اتصلت بالسياق السياسي الذي وجدن أنفسهن فيه خاصة مع وجود عدد لابأس به من الدول في حالات استثنائية تحكمها الديكتاتوريات على سبيل المثال. كما تناولت كثيرات منهن الموضوعات الكونية ودخلن مضمار الفن المعاصر جنبًا إلى جانب الفنانين من الرجال، فابتعدن عن قضايا النوع الاجتماعي. ولذا، إدراج بعض الأعمال دون تريث في فئة النسائي يعني التغاضي عن قرارهم المستقل بالخروج عن هذه الحركة على وجه التحديد في وقت يسوده نزاع سياسي رئيس.
اليوم، اقتراح التمييز من أجل الشمل، والذي كان أساس الفن النسائي، لم يعد له أي قدرة على التأثير الإيجابي. فإدراج العمل الحالي لبعض الفنانات في فئة الفن النسائي بسبب تفضيلهم لزاوية نقدية معينة عن موضوعات متصلة ببعضها البعض يعني تقييد قدراتهم الجمالية، وكأن العمل تحِدُه الذاتية، كإبعاده عن الكل وكأنه لا يجذب سوى مجموعة واحدة بعينها. وفكرة "النسائية"، التي لا تعلن الفنانة نفسها عنها أحيانًا، لا تتبلور في العمل في حد ذاته ولكن تظهر من خلال المنظور أو سياق الناظر.
في الغرب - وفيه وقع دور الضحية الواجب إنقاذها من براثن مجتمعها الأبوي والمحافظ، على المرأة المسلمة بالرغم من تعددياتها الشاملة – يكثر من يتوقعون غلبة الطابع النسائي على أعمال الفنانات في الدول ذات الأغلبية المسلمة. وفي السياق نفسه، انتهى المطاف بالأعمال التي ركزت على صورة المرأة أو التي تمسكت بمفهوم المرأة وكأنه مجرد شئ، بأن استقبَلت واُمتَصت من منظور نسائي مطل على ثقافة أخرى - وهي القراءة التي ركزت على الفنانة بوصفها امرأة. ولكن تميل تلك الفنانات إلى رفض هذا التركيز على نوعهم الاجتماعي من جهة، مفسرات بأن هذه القضية قد تم تخطيها بالفعل. ومن جهة أخرى، تعتبر الفنانات أنفسهن مستقلات منغمسات في الإنتاج الفني وتاريخ الفن بقدر انغماس أي فنان آخر، رجل كان أو امرأة. وحتى عندما تقدم أعمالهن خطبًا جديدة ورؤى نسائية أكثر وضوحًا عن العالم، عادة ما تسعى تلك الأعمال إلى إحداث ومضة خطابات جمالية ومفاهيمية واسعة النطاق. وخير مثال على ذلك هو البحث الفني لدى صفاء الرواس.
إن النسائي هو مادة عمل الفنانة قطعًا وأحيانًا ما تشير عناوين أعمالها إلى أساس مستقى من سيرتها الذاتية. لكن، وبينما يتم تقديرالبعد الشخصي إثر اختيار المواد الطبيعية - وهو اعتيادي في كل مجتمع (تقريبًا) -، لا يتم تقديم النسائي، بالرغم عما قد يفكر به المرء أوليًا، بوصفه مجرد مسألة نوع اجتماعي.
تتكون كثير من أعمال صفاء الرواس من عناصر عادة ما تقترن بالرقة وينظر إليها على أنها تنتمي إلى العالم النسائي (القماش والخيوط والخزف والوسائد والزهور). ويتم التعبير عن النقاء - وهو قمة المثل الأنثوية العليا - من خلال الاستخدام شبه الحصري للون الأبيض، دون أن يظهر في صورته الطاهرة. ففوق هذه المادة البيضاء التي تعمل حرفيًا ورمزيًا كسطح الأنثى وحولها وداخلها وفي تمازج معها، نرى عناصر معدنية كثير منها مسنن أو حاد (الإبرة وشفرات الحلاقة والسكين والسلك). وهذا الجدل في المادة يفضي بشعور بعدم الراحة، منكرًا على الأنثى إمكانية أن تحافظ على براءتها فيعرضها للخطر. وقد يعزى الصدام إلى اللقاء بين الذكر والأنثى، إن لم يكن بسبب طبيعة الأشياء المعدنية التي وقع عليها الاختيار والتي توحي بأن المواجهة بين الأشكال والتراكيب والحساسيات والإمكانيات يظهر الأنثى بوصفها شئ غامض ومحل صراع ومتعرج محملة بالتحديات. وقد يحيل العنف - الذي يعد من الأعمال الذكورية - المتمثل في قطوع السطح الأبيض وثقوبه، إلى تعقيدات الأنثى التي تُنتهك خصوصيتها وتظل منفتحة أمام العالم حولها في ذات الوقت. في التجريد التقليلي (المينيمالي) عند صفاء الرواس، نجد الأنثى وراء الجسد المادي والشهواني - أحيانًا ما يوحى إليه في العناوين والأشكال - في صورة وجودية وفلسفية. وتظهر في تساؤلات عن الفن ذاته، مثل الحركة الفنية بوصفها عمل، والعلاقة بين المادية والزوال من جهة وبين العمل وفضاء العرض من جهة أخرى، من خلال الجدرايات المرتبطة بالموقع مثل "القمر داخلي" (2009) و"بلا عنوان" (2013)، أو حتى العلاقة بين الصور المسطحة والثلاثية الأبعاد، من خلال أعمال مثل سلسلة "إيلاتيريوم" (2010)، والتي يوحي الفراغ فيها إلى الفرج و"الكونشيتو سباسيالي" الخاص بلوتشيو فونتانا.
في تفتيتها للمواد المنزلية النموذجية، تفتح الرواس المجال حقًا لتأويل عملها تأويلًا نسائيًا وتثير أسئلة عن علاقة المرأة بجسدها وعلاقتها بالجنس والروحانيات ومكانها الاجتماعي - وهو الأمر المعبر سواء في المغرب، بلد الفنانة الذي ولدت فيه، أو في أي مجتمع آخر. ولكن الأهم هو أن عمل الرواس في تجريديته يحوي القدرة الجمالية لتأويله بمختلف مستويات التأويل.
Daniella Geo
Independent curator, researcher and writer based in Antwerp, Belgium, and Rio de Janeiro, Brazil.