يشكل البيت العربي ومعهده الدولي لدراسات العالم العربي والإسلامي مؤسسة أنشأتها وزارة الشؤون الخارجية والوكالة الإسبانية للتعاون الدولي للتنمية وحكومتا اقليم مدريد واقليم أندلسيا وبلديتا مدريد وقرطبة في 6 تموز/يوليو 2006. يسعى البيت العربي بمقريه الرئيسين في مدريد وقرطبة إلى تعزيز مجموعة العلاقات الواسعة مع الدول العربية والإسلامية وإجراء دراسات مرجعية حول واقع هذه البلدان وتاريخها كما يحرص على إنجاز مهمة متبادلة من خلال نشر المعرفة عن الواقع العربي والإسلامي في السياق الأوروبي والغربي والعكس بالعكس. ويقوم بذلك في إطار من التعاون والتفاعل المؤسساتي الهادف إلى بناء جسر من التواصل والعلاقات بين المجتمعات المعنية. وبهذا، يبذل جهوداً قيّمة بغية استحداث ساحة لتبادل المعرفة وتشارك الآراء تكون بمثابة نقطة التقاء.
(من المقدمة الواردة على موقع البيت العربي)
مقابلة مع خيما مارتن مونيوز، المديرة العامة للبيت العربي ومعهده الدولي لدراسات العالم العربي والإسلامي
هاوبت وبيندر: تم تأسيس البيت العربي بمبادرة أطلقتها أعلى المستويات السياسية في البلاد. ما هي الأسباب والسياقات التي أدت بالحكومة الإسبانية وشركائها إلى إنشاء هذه المؤسسة المحمّلة بمجموعة واسعة من المهام والأهداف؟
خيما مارتن مونيوز: تعود أسباب إنشاء هذه المؤسسة إلى أهمية المنطقة العربية والإسلامية للعلاقات الدولية والدور البارز الذي يؤديه هذا الجزء من العالم في السياسة الإسبانية الخارجية. أما القرب الجغرافي، والصلات التاريخية، ووجود عدد كبير من المهاجرين من المغرب العربي، واعتبار إسبانيا المنفتحة على البحر الأبيض المتوسط بلداً في جنوب أوروبا، فكلها عوامل تفسر أهمية إنشاء مؤسسة مثل البيت العربي تصب اهتمامها على مجالات المعرفة والتعميم والدبلوماسية العامة والبحث حول الدول العربية والإسلامية. وبناء عليه، يؤدي عملنا دوراً اجتماعياً وسياسياً بالغ الأهمية. من ناحية، تساهم المؤسسة في إثراء المعرفة وتطبيع التبادل المباشر بين الضفتين والحد من التحيّز في مجتمعاتنا. ومن ناحية أخرى، تساعد إسبانيا على تعزيز دورها كوسيط للعالم العربي في الإطار الأوروبي والدولي.
هاوبت وبيندر: هل كنت معنية شخصياً بمسار تأسيس البيت العربي؟ فأنت أكاديمية معتبرة وباحثة وأستاذة ومؤلفة كتب متخصصة. لماذا تركت الحقل الأكاديمي لتكرسي نفسك لهذه المهمة المعقّدة كمديرة عامة للبيت العربي؟ أين تكمن تحديات عملك وإمكانياته بصفتك مديرة لهذه المؤسسة؟
خيما مارتن مونيوز: تأسس البيت العربي بفضل وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإسباني ميغيل أنخيل موراتينوس. فقد أبلغني في عدة مناسبات بحاجة إسبانيا إلى إنشاء مؤسسة مماثلة. وعندما تسنّت له الفرصة، أطلق المشروع واتصل بي وطلب مني أن أحدد مفهوم المؤسسة وأعمل على تنفيذه. في الواقع، حظيت بفرصة رائعة لتأسيس البيت العربي وتطبيق الأفكار التي كانت تجول في بالي منذ سنوات. بالنسبة إلى متخصصة في هذه البلدان، يعدّ هذا المشروع بمثابة حلم. لذا، أظن أن أفضل ما يمكن أن أقوم به هو وضع معرفتي وخبرتي الممتدة على مدى خمسة وعشرين عاماً كباحثة جامعية في خدمة أهم عمل تجريبي في حياتي: يتبلور كل ذلك في تأسيس البيت العربي وإدارته. هذه هي مهمتي الآن. وإن اضطررت لمغادرة البيت العربي يوماً، سأكرّس نفسي كلياً للعمل الأكاديمي وكتابة الكتب مجدداً. كما كان لي شرف اختيار فريق العمل بأكمله بنفسي، ما يعني أنني أستطيع الاعتماد على أشخاص متحمّسين للمشروع ومهتمين به بقدري. ومعاً، نعمل على بناء حقيقة البيت العربي.
نواجه تحديات كثيرة بسبب حساسية القضايا العربية والإسلامية والأفكار المسبقة غير المؤاتية المطلقة حولها. وبالتالي، لا يمكننا العمل لمجرد ملء فراغ ما يتم تجاهله بكل بساطة لأن هذا التجاهل حافل بأفكار يصعب تغييرها. لكنني لا أتردد عن القيام بذلك لأنني أدرك الثغرات في المعارف والأفخاخ الإيديولوجية التي تم نصبها حيال العالم العربي والإسلامي، كما أنني أعرف حق المعرفة التعددية الاجتماعية والسياسية والإبداعية المجهولة التي تحتاج إلى المزيد من الاهتمام في الوقت الحالي. والمكاسب الفكرية كثيرة من الاطلاع على الحقائق الجديدة التي ما زلت عاجزة، بسبب ضيق الوقت، عن تكريس الاهتمام الكافي لها حتى الآن. إن ما أقوم به هو ممتع فعلاً لأنني أستمر في تعلّم واكتشاف أشياء لما كنت لأعرف بها لولا البيت العربي.
هاوبت وبيندر: يقدّم البيت العربي مجموعة واسعة من البرامج والخدمات: أبحاث وإسقاطات أكاديمية، ومؤتمرات، وندوات وحلقات نقاش، ومنشورات متخصصة، وبرنامج اجتماعي واقتصادي واستشارات للشركات، وبرنامج تربوي واسع، ومكتبة ومركز متعدد الوسائط، وعروض أفلام، وحفلات موسيقية ومعارض، ومهرجان سنوي في رمضان في منطقة لافابييس في مدريد، على سبيل المثال لا الحصر. ما هي أفضل طريقة تبيّن لك أنها الأفعل والأمضى للوصول إلى جمهور جديد وما هي أهم التحديات في هذا الصدد؟
خيما مارتن مونيوز: على المستوى الكمّي، يعدّ برنامجنا العام أنجع وسيلة لكسب واجتذاب جمهور جديد متنوع لأنه يتجاوز إطار الناس المهتمين فعلياً أو المعنيين مهنياً بالعالم العربي. لا شك في أن برنامجنا المستمر لعرض الأفلام كان فعّالاً فضلاً عن المحاورات التي ننظمها في مناسبات تقديم كتب مؤلفين عرب معاصرين. وتساهم المكتبة السمعية البصرية أيضاً بشكل كبير في رسم ملامح جمهور جديد للبيت العربي. على المستوى النوعي، يملك البيت العربي مجالات مبتكرة للعمل تثير اهتمام أشخاص جدد. على سبيل المثال، إن ما حققناه في مجالات العمارة وفن الفيديو والطاقات المتجددة وروحانية الإسلام يجذب فئات مجتمعية ومتخصصين لا ينتمون إلى الجمهور الاعتيادي أو العام.
لا شك في أن أبرز التحديات ترتبط بكل المواضيع التي تعمل وسائل الإعلام على تضخيمها وتعالجها بشكل مفرط من التبسيط. بعبارة أخرى، نحتاج إلى تبديد التحليل الثقافوي أو الجوهري للصراعات والجهات الناشطة في الشرق الأوسط، وتعزيز فهم مختلف متغيرات الإسلام السياسي في سياقها وتنوعها، والتعامل مع مسائل المسلمين في الغرب وكل المهاترات ضد الحجاب والمآذن فضلاً عن ازدياد العداء تجاه الإسلام. وهذه مهمة صعبة للغاية وتستغرق وقتاً طويلاً باعتبار أنها تقتضي بالدرجة الأولى من المعهد الدولي لدراسات العالم العربي والإسلامي تحاليل ودراسات اجتماعية وسياسية يمكن نشرها في المقابل بعد ذلك. وهذه مهمة صعبة ومعقدة للغاية لأنها ترتبط بأصل الصور النمطية والأحكام المسبقة.
هاوبت وبيندر: إن برنامج المعارض الفنية الذي تقترحونه يهدف إلى تقديم "الأعمال الأكثر طليعية وابتكاراً من الفن العربي المعاصر". ما الغاية من التركيز على هذا النوع من الأعمال بالتحديد؟ كيف يتم التحضير لمعارضكم؟ هل البيت العربي منفتح على أي اقتراحات يتقدّم بها رعاة فنيون وفنانون خارجيون؟
خيما مارتن مونيوز: يهتم البيت العربي بالأعمال الحديثة والمعاصرة. فهذا مهم جداً في مجال الفن لأنه، بعيداً عن القيمة الفنية للأعمال، يتوجّب علينا دائماً السعي إلى تحقيق هدفنا المتمثل بتغيير الأفكار المسبقة التي تلحق أضراراً بالغة بفهمنا للعالم العربي والإسلامي. لذا، يكمن أبرز اهتمامات المؤسسة في أن تبيّن أن الفنانين العرب اليوم هم مبتكرون ومبدعون يساهمون في التيارات الفنية العالمية. ومن الأفكار النمطية المتداولة في نظرة الغرب للواقع العربي الحاضر، فكرة ركود عمليات الإبداع والابتكار. فمن الشائع النظر إلى الماضي لدى الاعتراف بجهود الثقافة العربية وإبداعاتها (الأمويون، العباسيون، الأندلس). لا شك في أهمية هذا الإرث التاريخي وقيمته، ولكن المشكلة تكمن في التركيز الحصري على هذا الإرث الكلاسيكي، ما يعني بشكل غير مباشر أنه بعد هذه القرون الطويلة الماضية لم يشهد العالم العربي سوى تراجع ثقافي وافتقار إلى الإبداع في حين أن الواقع مغاير تماماً. إن الأجيال العربية الجديدة على صلة وثيقة بالابتكار وعالم الفن الدولي وتساهم في إغناء مسار الفن العالمي بفضل سياقها الخاص وجهود أفرادها. وهذا ما يحرص البيت العربي على إظهاره.
عادةً ما يقوم البيت العربي بإعداد المشاريع التي يريد أن ينجزها ويبحث عن الرعاة الفنيين المناسبين لها. ولكن هذه القاعدة ليست ثابتة فتبقى الاقتراحات الجيدة موضع ترحيب دائماً إذا ما كانت تطابق مع أهدافنا.
هاوبت وبيندر: ينظّم البيت العربي برنامج "أرابيا أمريكانا" أيضاً. ماذا يعني هذا المشروع وما هي النشاطات المنفذة في إطاره؟
خيما مارتن مونيوز: منذ وقت طويل، عندما بدأت بالسفر إلى أمريكا اللاتينية لعقد محاضرات حول الشرق الأوسط، لاحظت الوجود العربي الغني والمكثف في القارة الأمريكية الذي يرقى إلى نهاية القرن التاسع عشر وقد وجدت تجسيده في مساهمات مهمة في تشكيل القوميات الأمريكية. وهذه تجربة غير معروفة. لهذا السبب، لدى صياغة مفهوم البيت العربي، دمجت هذا البعد بوصفه واحداً من مجالات عملنا. وينبغي إثراء العلاقة بين العالم العربي والغرب بضمّ الأمريكيتين وتجربتهما مع العرب وثقافتهم. وبالإضافة إلى ذلك، تتمتع إسبانيا بمكانة متميزة لتتمكن من تعزيز هذه العلاقات ومع البيت العربي، يكتسب البلد مؤسسة تعمل بمثابة جسر. وهكذا، أنشأنا مشروع أرابيا أمريكانا الذي نعمل في إطاره على برنامج خاص نحققه في إسبانيا والقارة الأمريكية والدول العربية التي تركز على هذا البعد. إننا ننفذه جنباً إلى جنب النشاطات الكثيرة التي نقوم بها في إسبانيا ومن ثم نأخذها إلى أمريكا اللاتينية فنساهم في نشر المعرفة بهذا الواقع الراهن هناك أيضاً حيث أنه أقل شهرةً مما هو عليه حتى في أوروبا.
هاوبت وبيندر: ما هي النشاطات التي يعدها أو يحضرها البيت العربي ولا سيما في مجال الفن والثقافة؟
خيما مارتن مونيوز: نحضّر حالياً معرضاً حول ابتكار حديث وإبداع للخط العربي بحيث أننا سنقدم خمسة من أفضل الخطاطين في الوقت الراهن. ولعل عرض مدى الابتكار الذي قد يتحلى المرء به على أساس واحد من أكثر أشكال الفن كلاسيكية هو وسيلة مذهلة لكسر الأفكار الجامدة والقوالب النمطية كما شرحت سابقاً.
إن أبرز الأحداث المرتقبة في العام 2011 يصب في إطار الذكرى المئوية الثالثة عشرة لوصول العرب إلى إسبانيا في العام 711. ومن المهم أن يعمد البيت العربي إلى تحليل هذا الحدث والتفكير في مدلولاته ومناقشته باعتبار أنه ترك بصمة دامغة على تاريخنا على مدى ثمانية قرون، أي خلال فترة أطول بكثير من الفترة التي مرت منذ انتهاء الوجود العربي في إسبانيا في العام 1492 حتى الآن. ويتم كل ذلك في ظل اهتمام ضمني يتمثل بفهم الماضي في سعي إلى التحلّي بقدرة أكبر على تفسير الحاضر. وفي هذا الإطار، سننظم "لقاءات ابن رشد" (تيمّناً باسم الفيلسوف والطبيب والصوفي والمترجم الإسباني العربي ابن رشد، 1126 قرطبة - 1198 مراكش) من 4 إلى 6 شباط/فبراير 2011 في قرطبة حيث لدينا مقرّ آخر. وستكون هذه اللقاءات مخصصة لـ"نموذج قرطبة: ثلاث ديانات وثقافة أندلسية واحدة". وسيندرج ضمن سلسلة من طاولات مستديرة تتناول تجارب الماضي الموجهة إلى الجمهور العريض ووسائل الإعلام وتسعى إلى القضاء على الأساطير الممجدة واللاغية من خلال دراسة الحاضر على ضوء العلاقات القائمة بين العالم الإسلامي والغرب الغابرة. وسترافق المناقشات عروض سنمائية وحفلات موسيقية.
هاوبت و بيندر
جيرهارد هاوبت وبات بيندر رئيسا تحرير مجلة الفن نفس وشركاء في نشرها، وينشرا منذ عام 1997 المجلة الإلكترونية عوالم في عالم - عوالم الفن، ويعيشا في برلين - ألمانيا.
البيت العربي ومعهده الدولي لدراسات العالم العربي والإسلامي في مدريد وقرطبة في إسبانيا.
المقر الرئيسي: