لقراء الصحف والمجلات الذين اعتادوا للأسف صور نقاط التفتيش والحواجز والجنود والبقايا المحترقة لسيارات مفخخة، وللزوار والشباب العراقيين الذين لم يعرفوا عراق ما قبل الحرب (أكانت النزاعات الإيرانية أو الخليجية)، تساهم الصور الفوتوغرافية التي التقطها لطيف العاني بعدسته في إعادة خلق عالم آخر، عالم اختفى منذ ذلك الوقت – تم محوه بعنف من الخارطة – ولكنه يبقى عالماً حاضراً في ذاكرة الفنان، هو عالم يبدو جلياً أنه في بعض الأحيان اختار أن ينسحب إليه.
سواء كان لطيف العاني جالساً إلى طاولة في غاليري ومقهى الحوار الذي يديره قاسم سبتي، أو في المكاتب القريبة من الجمعية العربية للتصوير (التي ساهم في إنشائها)، يجول في الصور المتبقية من أرشيفه (الموجود حالياً في المؤسسة العربية للصورة في بيروت) على شاشة الكمبيوتر. وبإعادة النظر فيها، يروي بلا كلل لمن يجالسه قصص ما يبدو – للوعي الجماعي اليوم – على أنه أجمل حقبات العراق: هي السنوات الممتدة من أواخر خمسينيات القرن العشرين إلى العام 1979 عندما استولى صدام حسين على السلطة.
بفضل عمل الفنان في قطاع النفط مع مجلة النفط العراقي في خمسينيات القرن العشرين، ومن ثم في سائر البلاد، قام بمرافقة خطة عصرنة اقتصاد العراق ومجتمعه – في المدارس والمكاتب والميادين والمصانع – وتوثيقها. وقد كان أيضاً شاهداً على التغييرات التي طرأت على بغداد حيث أن مشاريع مهندسين معماريين معروفين شأن قحطان المدفعي ورفعت الجادرجي وفنانين مثل جواد سليم قد ساهمت في تحويلها.
تشكل صوره وسيلة من وسائل الدفاع عن الثقافة العراقية – بكل تنوّعها وتعقيدها – التي تصدح بشكل عنيف اليوم: مثل آثار بلاد ما بين النهرين والمساكن التقليدية، وصخب الأسواق الحضرية - النزهات والمسكوف على ضفاف نهر دجلة، وحفلات المقامات الموسيقية، أو حتى المحلات والمقاهي في شارعي المتنبي والرشيد.
إلا أن تغطيته المجال السياسي (الرحلات الرسمية، والافتتاحات، والمسيرات والخطابات) لوكالة الأنباء العراقية تقدم وجهة نظر أخرى حول تلك السنوات نفسها، هي وجهة نظر كفيلة بأن تصور أشكالاً وشخصيات من السلطة السياسية، ولكن أيضاً لمحات الأولى من الظلال الكامنة في ديكور هذه السنوات الذهبية ...
في حين أنه يصعب تصديق مصوّر يؤكد أنه لن يلتقط أي صورة أخرى بعد الآن، وضع لطيف العاني حداً لعمله في العام 1979. ولا شك في أنه ما من قرار مماثل قد اتخذ في تاريخ التصوير الفوتوغرافي. وقد لجأ إليه الفنان استجابة شخصية لما تمرّ به البلاد وما يعانيه مواطنوه، وفضحاً للمأساة المشتركة بينهما. ونتيجة لذلك، عاش لطيف العاني خلال سنوات الحرب الرهيبة في العراق بعينين مفتوحتين وبعدسة مغلقة. .
وعلى هذا النحو، يبدو جلياً أن تاريخ أرشيف العاني الحافل بالأحداث غير الاعتيادية والممارسات الفوتوغرافية يشهد بشكل متناقض على تاريخ العراق الحديث.
Catherine David
Curator, art historian. Deputy Director and Head of Global Outreach for the Musée National d’Art Moderne, Centre Georges Pompidou, Paris. David was Artistic Director of Documenta X, 1997.
في العام 2015، كرّمت مؤسسة الأمير كلاوس لطيف العاني و10 فنانين آخرين على عملهم الرائد في مجالَيْ الثقافة والتنمية.
لجنة جوائز الأمير كلاوس:
منحت لطيف العاني جائزة لإنشائه أرشيفاً غنياً ومتعدد المواضيع لصور تاريخية فريدة للمجتمع العراقي، وتزويده العراقيين والعالم بذاكرة شاملة تشهد على الدولة الحديثة والمزدهرة والرائدة التي كانت تمثّلها العراق قبل الدمار الناجم عن حرب الخليج.، ولمساهمته في تطوير التصوير الفوتوغرافي الوثائقي في العراق.