هاوبت وبيندر: كنتِ تعرفين الشارقة قبل تعيينكِ القيّمة الفنية على البينالي. كيف خطر موضوع البينالي الثاني عشر في بالِك وهو يجمع بين وضع الشارقة الخاص والوضع العام السائد في المنطقة؟
يونجي جوو: نعم، لقد زرت الشارقة عدة مرات. إلا أن فهم حيثيات أي مكان يستغرق بطبيعة الحال وقتاً طويلاً. ها قد بدأت أفهم الشارقة. وبعد أن استغنمت هذه الفرصة العظيمة من وجودي هنا لفترة أطول، مَن يدري ما إذا كنت لأنظّم المعرض نفسه. أنا غريبة، لا أتكلّم العربية أو الأوردو، ولكن عمل المؤسسة لفتني وأثار إعجابي، ما يبرر اندفاعي إلى بذل كل الجهود في هذا الصدد. استوحيت العنوان من جملة وردت في كتاب "الحق في المدينة" لهنري لوفيفر: "لا يمكن فصل الماضي، والحاضر، والممكن أحدها عن الآخر" [1]، ولكن فكرة البينالي نشأت قبل أن أقرأ المقالة التي ما كانت إلا لتدعم إحساسي بالواقعة. إن ما كتب لوفيفر عنه في مقاربته المدينة يرتبط إلى حد كبير بتفكير الفنانين المعاصرين في الحق – لا بدّ لنا من تلمّس تقاطع ملحوظ في الطريقة التي يطرح فيها الأفكار في الوقت الحاضر. ومن الأمور التي فكرت فيها ليس للشارقة وحسب، بل أيضاً للمنطقة ككل وبالتحديد للشرق الأوسط، والعالم، هو كيف نتعامل مع التاريخ، وكيف نحترم التاريخ، وكيف نتبادل المعلومات حول التاريخ، من دون أن يثقل التاريخ كاهلنا أو يقيّد تحرّكاتنا.
أردت أن أعثر على طريقة لمقاربة البينالي كوسيلة للعمل، وتجنّب الموضوع، لأنني لا أفكّر في المواضيع في ظل التعاون مع هذه المؤسسة العظيمة التي تدعم الإنتاج الفني بلا ورع - إلى حد الجنون، لأن القيّمين عليها لا يخشون تجربة أي وسيلة. كما تعلمون، لدى عدة بيناليات الرغبة في دعم الإنتاج الفني والتجارب الفنية ولكنها لا تملك الأموال اللازمة، أو تملك الأموال ولكنها تفتقر إلى الموظفين، أو في كثير من الأحيان إلى الوقت والبنية التحتية. مؤسسة الشارقة للفنون مؤسسة فريدة من نوعها انبثقت عن البينالي، ودائماً ما تحترم حاجاته كما تحترم الآن اتساق البرنامج الذي يقام على مدار السنة. لذلك، أظن أنها فرصة رائعة للفنانين. تمكّنا من تكليف الكثير من الناس، وتمكّن عدد كبير من الفنانين من المجيء غير مرة أو إرسال مساعد لهم أو مرافقة معاون لهم في عملهم. ولم نضطر للتسوّل من أجل الحصول على الدعم المالي.
هاوبت وبيندر: عندما وافقتِ على تنظيم البينالي، كنتِ حتماً على معرفة بعدد الفنانين الذين تنوين التعاون معهم...
يونجي جوو: حتماً، ولم يتسنَّ لي وقت طويل لتنظيم كل هذا.
هاوبت وبيندر: هل بحثتِ في مقاربات محددة أو عن فنانين محددين لدعوتهم إلى الشارقة؟
يونجي جوو: لم يتسنَّ لي الوقت للقيام بالكثير من الأبحاث للطبعة الثانية عشرة من بينالي الشارقة. ولكنني لحسن الحظ في الفترة الزمنية التي عملت فيها في هذا المجال، من أول وظيفة لي في مركز ووكر الفنون وحتى كمتدربة، خصِّصَت لي ميزانية سفر، ولطالما عرفت أنه يفترض بي أن أبحث في الميدان عن الفن المعاصر، ما سمح لي بأن أجمع الكثير من المعلومات مع مرور الوقت. وأنا أبحث دائماً عما يحدث، أجس نبض الساحة الفنية، وها أنا أتعاون مع فنانين عملت معهم في الماضي. غاري سيمونز، على سبيل المثال تعاملت معه للمرة الأولى في العام 1997 وكتبت عن عمله في تقريري. ولكننا لم نتعاون منذ ذلك الحين في أي مناسبة مع أننا فكّرنا حينها في إنشاء ملعب عام لكرة السلّة. لذا، اعتبرت أن غاري فنان عظيم تجدر دعوته إلى التفكير في الألعاب الرياضية والرياضة بشكل عام. وعندما أتى ورأى الأطفال يلعبون الكريكت، عرف أنه لم يخطئ. فقد حظي غاري على اسمه تيمّناً بلاعب كريكت شهير وكان والده من أفراد المنتخب الوطني لجزر الهند الغربية في خمسينيات القرن العشرين. وعمله على خط الطبشور (2015) هو ملعب كريكيت حيث يمكن لأطفال الحي أن يلعبوا، وحوله يبرز نص بأربع لغات: "ما الذي يعرفونه عن لعبة الكريكيت الذين لا يعرفون سواها؟" هو اقتباس من كتاب سي أل أر جيمس "أبعد من الحدود" – وهو عمل يشمل نصوصاً شعرية ونوعاً من النقد الاجتماعي والسياسي. عندما توجّه غاري إلى دبي لشراء الكرات، والقفازات، والخوذ، والعصي للأطفال، سأله البائع في المتجر عن جنسيته وسبب اهتمامه بلعبة الكريكيت. أجابه أن والده أنه كان يشارك في المنتخب الوطني لجزر الهند الغربية، فعرف الرجل والده. وقد تأثّر غاري بالموضوع. هذا هو الممكن الذي تسمح به مؤسسة الشارقة للفنون. لقد عمل مع عدة فنانين آخرين مثل تارو شينودا في العام 2005 وأبراهام كروزفيليغاس الذي التقيت به في زيارة لأحد الاستديوهات في العام 2004 وذلك قبل 11 عاماً من عملنا سوياً في أحد المعارض...
أردت أيضاً أن أستغنم فرصة تواجدي هنا للقيام ببعض الأبحاث. ولعل أكثر رحلاتي في هذا الصدد هي رحلتي إلى عمان حيث تعرّفت إلى دارة الفنون . في خلال المعرض الذي أقيم بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين للدارة برعاية أدريانو بيدروزا في هذا المعرض، رأيت بورتريهات فخر النساء زيد.
ينطبق الوضع نفسه على سلوى روضة شقير. كنت أعشق أعمالها وكان البينالي ذريعة مناسبة لزيارة محترفها والاطلاع على أعمالها ولقاء ابنتها هلا. وقد ساعدتني كثيراً وأعارتني عدداً كبيراً منها.
هاوبت وبيندر: إنها المرة الأولى التي يتطرّق فيها الفنانون إلى الآثار. وصبتح اليوم، أجرينا مقابلة مع ليونور أنتونيسالتي شرحت لها هذه الصلات في عملها و مايكل جوو أيضاً. كيف خطر لكم هذا الموضوع؟
يونجي جوو: عندما كنت هنا قي تشرين الثاني/نوفمبر 2013، لفتت الشيخة حور نظري إلى موقع أثري وسرعان ما سألتها ما إذا كان بإمكاني زيارته. فرافقنا مندوب من مديرية الآثار إليه كما إلى مواقع أثرية أخرى. فقررت أن آخذ فنانين إلى هذه المواقع ضمن زيارات جماعية قبل مسيرة مارس الأخيرة وبعدها. وهي زيارات لم يقوموا بها في الماضي. ولعل هذا هو سبب عدم معالجة الموضوع سابقاً. يبدو أن معظم الناس لا يعرفون بوجود هذه المواقع الأثرية بمدى فعالية النقاشات حول الاكتشافات. إن توجهتم إلى متحف الآثار اليوم، ستشاهدون قطعاً أثرية تعود إلى 80000 سنة، وقد تم اكتشاف أدوات ترجع إلى 125000 سنة. لم يتم تحديث المعلومات الموجودة في المتحف، لأنه لم يتم عرضها حتى الان. وعندما ذهبنا إلى هذا الموقع، كان المسؤول عن الحفريات موجوداً وأشرح لنا كيف وجدها.
هاوبت وبيندر: أي موقع كان؟
يونجي جوو: الكهف المتواجد قرب المليحة.
هاوبت وبيندر: نعم، الملجأ الصخري في جبل الفايا. توجهنا إليه عندما كنا نبحث عن مشروع الوجهة الفنية - الشرقة . فاكتشفنا أنه يعود إلى آثار جامعة توبينجن.
يونجي جوو: نعم، قال إنه أثناء الحفر، قرروا الطهو بالقرب من الملجأ الطبيعي. وبسبب خصائص الموقع، قرروا الحفر هناك وهكذا وجدوا التحف والأدوات عن طريق إعادة استخدام الموقع بالطريقة نفسها التي كانت تستخدم فيها منذ أكثر من مئة ألف سنة.
بالطبع، كنت أعرف أن فنانين مثل مايكل جوو كانوا يجرون أبحاثاً عن أحفوريات لفترة طويلة، وتصوّرت أن أدريان فيلار روخاس وربما خمسة أو ستة فنانين قد يكونون مهتمين أيضاً. من منا قد لا يكون مهتماً بالتفكير في مدينة جديدة، باللجوء إلى أبحاث العلم الذي يعنى بدراسة التاريخ بطريقة أخرى؟
هاوبت وبيندر: من العظيم أن نرى كيف يمكن للبينالي أن يساهم في زيادة الوعي حول هذه المواقع. بما أن الكثير من الناس في الشارقة يذهبون إلى الصحراء، وخاصة "الصحراء الحمراء"، على دراجات رباعية الدفع لتقريع الكثبان الرملية، من دون أن يعرفوا أنه عند الزاوية مواقع أثرية. من خلال عمل الفنانين، يستطيع البينالي لفت الانتباه إلى هذه الحفريات، والاكتشافات الجديدة، والمناطق الحساسة بيئياً.
يونجي جوو: هذه نقطة مثيرة للاهتمام لم أفكّر فيها حتى. إن الطريقة التي ينظر فيها الغرباء إلى المكان قد تساعدك على فهم ما يقف عند بابك. إلا أننا عندما نغادر البلاد ومن ثم نعود، غالباً ما نكتشف أن بلدنا أفضل من غيره.
هاوبت وبيندر: لهذا السبب، من المهم أن يخرج البينالي من مدينة الشارقة للمرة الأولى ويقام في موقع على الساحل الشرقي.
يونجي جووأظن أنهم قدّموا عرض أداء في كلباء...
هاوبت وبيندر: واستخدموا دار السينما القديمة في خور فكان لعمل في البينالي الأخير. فالتقطت شاذية اسكندر الصور.
يونجي جوو: بفضل المؤسسة التي اكتسبت موقع مصنع الثلج في كلباء الذي تمكّنا من استخدامه. وسرعان ما عرض أدريان فيلار روخاس العمل في هذا الموقع.
هاوبت وبيندر: إن مقاربتك التقييمية تشاركية، كيف تمكّنت من تصوّر المجموعات لهذا البينالي؟
يونجي جوو: في كثير من الأحيان، تخطر الأفكار على بالي في حديثي مع الفنانين. عندما أستمع إلى فنان، ونتناقش في أعمال أو أفكار، غالباً ما أتذكر فناناً آخر، فأعمل على إحضار هؤلاء الفنانين إما شخصياً وإما من خلال عملهم. كنا نمزح البارحة أنه ربما لأننا جميعاً في منتصف العمر، يلجأ الفنانون إلى أعمال تأملية ووجودية. ولكن بعض الأشخاص الآخرين اقترحوا تنظيم المعرض في هذا المكان بالتحديد بسبب الطبيعة القديمة والتأملية للشارقة. ولكنني دعوت أيضاً فنانين معتبرين. ولعل الطريقة الأهم التي لبّوا بها الدعوة كانت التمهّل والإمعان في الأعمال. لهذا السبب، الأعمال هادئة، وعميقة، وتستغرق بعض الوقت.
عندما زرت عبدالله السعدي وأصغيت إليه وألقيت نظرة على أعماله، فكّرت في تارو شينودا. لم أكن أعرف ما إذا كان أحدهم سيهتم بالآخر ولكنني أدركت أن العمل مناسب. وما حدث هو أن بيوم كيم وصل في الوقت نفسه مع تارو شينودا وذهبنا في نزهة في المزرعة. ثم أدركت أن طريقة بيوم في التفكير أقرب إلى عبد الله، وأن تجربة زيارة مرسمه كانت مفيدة لبيوم. إنه لأمر عظيم لي أن أكون على اتصال مع هؤلاء الفنانين لسنوات عديدة، وهذا ما أردت أن أشاركه في الشارقة - أن أجمع كل هذه الشخصيات في الشارقة من أجل الشارقة.
See the جولة في بينالي الشارقة الثاني عشر:
>> خاص يونيفرسز إن يونيفرس: بينالي الشارقة الثاني عشر، 2015
كل الفنانين في المواقع كافة
الملاحظات:
هاوبت و بيندر
جيرهارد هاوبت وبات بيندر رئيسا تحرير مجلة الفن نفس وشركاء في نشرها، وينشرا منذ عام 1997 المجلة الإلكترونية عوالم في عالم - عوالم الفن، ويعيشا في برلين - ألمانيا.
بينالي الشارقة الثاني عشر
5 آذار/مارس – 5 حزيران/يونيو 2015
الشارقة، الإمارات العربية المتحدة
رئيسة ومديرة
مؤسسة الشارقة للفنون: حور القاسمي
القيّمة الفنية: يونجي جوو
مساعد القيّمة الفنية: ريان إنويي
يشمل البينالي أعمالاً لأكثر من خمسين من الفنانين والممارسين الثقافيين من 25 دولة، مع أكثر من ثلثي المشاركين الذين قدّموا أعمالاً جديدة.
يقام البينالي في الشارقة، في الإمارات العربية المتحدة، ولكنه يتخطى هذه الإمارة إلى مواقع في المدينة وحولها، وفي مدينة كلباء على خليج عمان.