بعد العرض في مسرح دبي الاجتماعي و مركز الفنون (7 آذار/مارس – 10 نيسان/أبريل 2013)، يعرض المعرض الآن من 19 أيلول/سبتمبر إلى 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2013 في حرم جامعة نيويورك أبو ظبي
يا لها من مفارقة صريحة أن يصبح فن الجسد بلا جسد. ولكن دعونا نمعن النظر في تلك المسألة في منطقة يعد فيها تمثيل الجسد مرفوضًا ثقافيًا.
لقد شهد الفن في الإمارات العربية المتحدة نموًا مطردًا في العقد المنصرم، وهو أمر غني عن الذكر تحدث به الألسن مرارًا وتكرارًا. وانبثق هذا النمو من عملية – ليست بالضرورة عمليةً ثقافية - بل أقرب منها إلى دعاية ترويجية على المستوى العالمي. إلا أن عدد الفنانين النشطين منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي كان محدودًا، وشهد الفن المعاصر في أول بداياته فترة من التجريب، خاصة في اتصاله بذلك الإعلام وتلك المفاهيم والتي كانت غريبة كليًا على الثقافة المحلية.
وفي بداية الثمانينيات استخدم الفنان حسن شريف جسده في سلسلة معبرة من الأداء والتجارب طورها باتصال وثيق مع الساحة الفنية الأوروبية لا سيما الساحة الفنية في لندن، ولكنها ظلت لعقود في طي النسيان، فقد كان استخدام الجسد في تلك المنطقة وفي تلك الآونة "سابقًا لعصره"، بل وما زال غير ممثل بالقدر الكافي. وما لبث أن ولي موسم الفعاليات التي تستخدم الجسد وظهر الشكل الحالي للفن المعاصر وكأنه أحد أعراض مرض ملأ غرفة انتظار طبيب الأسنان.
وبالرغم من ذلك، سعت مجموعة صغيرة من الفنانين والمثقفين إلى أن تقترب من أشكال مختلفة في التعبير وأن تتخطى القيود. وجاء بعد حسن شريف طالبه المُقرّب محمد كاظم فجال في أرجاء الحقيقة من خلال جسده وأزاح النقاب بوضوح عن أبحاثه في سلسلة متماسكة ولكن محدودة من الأعمال تعود إلى منتصف التسعينيات. وظلت تلك التجارب هي الاستثناء من قاعدة سرت في أجراء الخليج واحتُرمت، ومن ثم لم يسفر عن "فن الجسد" بمعنى الكلمة في تلك الآونة.
وما يقدمه فن الجسد (وكذلك الأداء) بلا أدنى شك هو "المادة الأولية" ألا وهو جسد الفنان نفسه أو الفنانة نفسها في معظم الأوقات. وإن تحقق هذا الركن فممارسته الأدائية وطبيعته يحتمان تواجد جمهور. لكن هذا الجمهور يغيب وهو حلقة الوصل الأصيلة في التجارب المرتبطة بفن الجسد في الإمارات العربية المتحدة مما كان له أثر واضح على الخطوات التالية في بحث هذا المجال.
إذن، فأين الجسد؟ إلى أي مدى وفي أي سياق تم تمثيل الجسد خلال الـ25 عامًا الماضية؟ تلك بعض التساؤلات التي يطرحها هذا العرض، والذي يقدم أعمال فنانين من الخليج يستخدمون الفيديو والفوتوغرافيا بشكل أساسي. منال الضويان (1973) وإبتسام عبد العزيز (1975) ونور البستكي (1985) ووحيدة مال الله (1982) من الفنانين الذين يستخدمون أجسادهم أو أجساد آخرين في أعمالهم. ومعظمهم من النساء، يتواجدن في برزخ تصطدم فيها الرغبة الملحة في التعبير، بالروابط والقيود الاجتماعية والثقافية. والأمر يسري كذلك على طارق الغصين (1962) – الذي يعرض جسده ردًا على التساؤلات الاجتماعية أو السياسية - وأنس الشيخ (1968)، وتحاول كل الأعمال المنتجة في هذه البقعة من العالم بما في ذلك استخدام الجسد، أن تتجنب انتهاكًا صارخًا للتقاليد.
أما الرقابة الذاتية فيا له من موضوع بالغ الحساسية يكبل العملية الإبداعية في مراحل ولادتها ونموها، ولكنه الطريق لمن كُتب عليهم مواجهتها كي يجدوا سبيلًا للفرار والتعبير في الوقت ذاته عن منظورهم. ومن ثم تُعد دراسة دور الجسد في الفن المعاصر في الخليج طريقةً لدراسة حرية الفنان، حرية إبداعه وحريته في العرض كذلك.
"مايند...صنع في دبي" هي منصة بلغت اليوم عامها الرابع تهدف لعرض مفاهيم شتى مرتبطة بالساحة الفنية في دبي والإمارات العربية المتحدة. و"مايند" منصة جد طيعة تقبل المظاهر المختلفة من ألوان "الواقع" وتدمجها. وتركز هذا العام بشكل خاص على الجسد و"كيف يستخدم الفنانون الجسد في ثقافة كثيرًا ما يُحجب فيها الجسد عن الأنظار وبخاصة جسد المرأة". دعونا أولًا نُعرِّف ببعض المصطلحات كي يزول الالتباس في عالم الإبداع الفني هذا. مصطلح "فن الجسد" ليس بمصطلح متصل بتاريخ الفن بل هو مصطلح أكثر ارتباطًا بعلم الإنسان (الأنثروبولوجيا) ويعني استخدام الجسد كسند للتصوير أوالثقب إلخ. ووفقًا لنظرية الفن المعاصر يكاد يقتصراستخدامُ الجسد على فن الأداء. [1]
في معظم الأحيان – إن لم يكن فيها كلها - يرتبط الأداء ارتباطًا مباشرًا بفهم الجسد وفقًا لعلاقته بالمكان أو بقضايا النوع الاجتماعي، إلخ. ويمكن أن نقسم الأداء إلى بعض الفئات الرئيسية: الجسد والمكان (حسن شريف وعبد الله السعدي) والجسد والقضايا السياسية/الاجتماعية (نور البستكي وأنس الشيخ وطارق الغصين) والجسد والنوع الاجتماعي (إبتسام عبد العزيز ووحيدة مال الله وسعيدة كريمي).
واستخدام الجسد كسند مادي، محققَا تعريف "فن الجسد" موجود أيضًا في هذا المعرض (ربيع جورج) ويصاحبه أداء. وينبغي التنويه إلى أن الأداء في منطقة الخليج قلما يتم في حضور جمهور مجتمع في مكان وزمان (تاريخ وساعة) محددين. بل غالبًا ما يكون أقرب إلى عمل منعزل يحضره أحيانًا بعض الأصدقاء يقدموم الدعم الفني ويوثقون الحدث فيما يقدم بعدها في صورة عمل توثيقي. والجمهور ليس بشاهد عيان بل هو مشاهد "يسترق البصر" ويشجعه على ذلك الفنانون أنفسهم.
إلى ذلك، يشمل المعرض مجموعة أخرى من الأعمال تستخدم الجسد موضوعًا بشكل أكثر سردية أو بشكل يجيب على نوع من الرغبة "التوضيحية" (منال الضويان وسيافاش يانسوري). هذا لا ينطبق على الأداء فحسب، ولكن الملفت للنظر هو شتى الطرق التي سلكها فنانو الخليج وإيران للتعامل مع الجسد فيما مضى وفي الحاضر، وكيف يتصلون بالعالم من خلال الجسد وكيف يدمجون العالم من خلاله (سواء كانت أجسادهم أو أجساد آخرين) وكيف يرون أجساد الآخرين وكيف يمثلونها، وكيف يراقبون العلاقة ما بين الجسم الاجتماعي والأفراد وكيف يطرحون أفكارهم على جسد الآخر.
ملاحظات
Cristiana De Marchi
Artist, curator and writer. Born in Italy, currently living between Dubai and Beirut.
القيّمة الفنية:
كريستيانا دي مارشي
الفنانون:
عبد الله السعدي
أنس الشيخ
كريستيانا دي مارشي
إبتسام عبد العزيز
حسن شريف
منال الضويان
محمد المزروعي
محمد كاظم
نور البستكي
نجوم الغانم
ربيع جورج
سعيدة كريمي
شيخة المزروع
سيافاش يانسوري
طارق الغصين
وحيدة مال الله
مايند /جسد
فن الجسد والأداء في منطقة الخليج
19 أيلول/سبتمبر – 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2013
جامعة نيويورك أبو ظبي
الحرم الجامعي
أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة