يقيم وائل شوقي معرضاً انفرادياً في معهد كونست فركيه للفن المعاصر في برلين وهو من أهم المؤسسات الفنية في المدينة.
أعدّ وائل شوقي تركيباً فيديوياً جديداً بعنوان العرابة المدفونة خصيصاً لهذا المعرض. ولهذه الغاية، تمت تغطية أرضية القاعة في معهد كونست فركيه للفن المعاصر في برلين بالرمال. يستطيع الزائر أن يجلس على حجارة مرتبة وكأنها بقايا أسس منزل في الصحراء. ويظهر الفيديو بالأسود والأبيض قاعة يحتشد فيها الناس مضاءة بشكل خافت. يجلس فيها أولاد يرتدون لباس الرجال البالغين، وقد لصقت الشوارب على وجوه عدد منهم. وبأصوات البالغين، يروي الأطفال قصة كتبها المؤلف محمد مستجاب (راجع المقابلة). وفي الوقت نفسه، يحفر أحد الأولاد حفرة عميقة في أرضية الغرفة.
هاوبت وبيندر: أطلق على معرضك في برلين العنوان نفسه الذي يحمله التركيب الفيديوي العرابة المدفونة. ما الذي دفعك إلى اختيار هذا العنوان؟ ما هي الأفكار التي تشكل خلفية هذا العمل؟
وائل شوقي: تقوم الفكرة الأساسية على تجربة مررت بها منذ عشر سنوات. فقد دعاني صديق لي إلى مرافقته إلى بلدة العرابة المدفونة في صعيد مصر. ادعى صديقي أنه يستطيع شفاء الناس والعثور على كنوز فرعونية مدفونة تحت الأرض. ولأهالي صعيد مصر باع طويل في البحث عن الكنوز، ويتم استقدام الشيوخ للمساعدة. فهم يشبهون الشامان الذين يستحضرون "الأرواح" للعثور على موقع القبور الخفية للمصريين القدامى.
لطالما فتنني هذا العالم الميتافيزيقي. لذلك، رافقته إلى العرابة المدفونة. قضينا عشرة أيام هناك، في أحد المجالس النموذجية المخصصة للرجال حيث كنا ننام أيضاً ونأكل وحيث كان أهل القرية يأتون لإلقاء التحية علينا باستمرار. وكان بعضهم يجلسون صامتين لساعات. لهذا السبب قررت تصوير فيلمي في قاعة واحدة.
هاوبت وبيندر: هل يقوم الناس فعلياً بالحفر للعثور على الكنوز في قاعات مماثلة؟
وائل شوقي: بالطبع، هذا ما يفعلونه في عدة منازل في هذه البلدة لسنوات في بعض الأحيان. عندما يقول أحد الشيوخ إنه شعر بأن كنزاً موجوداً في الدار، تبدأ العائلة بالحفر فوراً. وحتى لو لم يجدوا أي كنز بعد أمتار من الحفر، يبقى الأمل قائماً. فيلجأون إلى شيخ آخر يعلمهم بأن الشيخ السابق قد أخطأ وأنه يجدر بهم أن يحفروا متراً واحداً بعد إلى الجهة اليمنى. في بعض الأحيان، يرحل جيل بأكمله، ويبقى حلم الكنز نفسه يراود الجيل التالي ويستمر الحفر على هذا المنوال مدة عشرين عاماً في الموقع نفسه.
هاوبت وبيندر: هل يعثر الناس على أشياء قيّمة بين حين وآخر؟
وائل شوقي: أحياناً. فتسود الحماسة في البلدة بأسرها ويعمل أبناؤها على الحفر على مدى عشرين سنة أخرى...
هاوبت وبيندر: إنها حتماً منطقة أثرية مهمة جداً. فتقع العرابة المدفونة على التلة نفسها التي تم اكتشاف معبد للإله أوزيريس المصري تحتها في بداية القرن العشرين.
وائل شوقي: أجل، من الملفت أن نرى هذه المنطقة النائية اليوم ونتذكر أنها كانت تضمّ إحدى أبرز مقابر مصر في أبيدوس القديمة.
هاوبت وبيندر: بعيداً عن الجانب القصصي، يشكل فيلمك استعارة للحياة. لماذا يرتدي الأطفال لباس البالغين ويتحدثون بأصواتهم؟
وائل شوقي: أولاً، لأنني أستمتع بالعمل مع الأطفال. إنه أفضل عمل بالنسبة إليّ. فهم مستقبل المجتمع، لا يحملون أي ذكريات دراماتيكية، وهم لا يعرفون محمد مستجاب - مؤلف القصة – وليس لديهم أدنى فكرة عن الأوزيريون المصرية القديمة أو ما يتعلق بها. لا يملكون أي أفكار جامدة عن سير الأمور. عندما نعمل مع الأطفال، لا نواجه أي تعقيد على مستوى التفرقة بين الجنسين أو على مستوى مهارات التمثيل. في الأساس، كأننا نتعامل مع الدمى. يتسم معنى الموضوع بأولوية قصوى، ما يبرر أهمية أن يكون السيناريو ممتازاً والمفهوم عميقاً. ويستطيع الأطفال أن يؤدوا الرسالة بشكل مذهل من دون أي كليشيهات.
لكنه في هذه الحالة، كان العمل مع الأطفال مختلفاً قليلاً. في هذا المشروع، صورت المجتمع الذكوري في صعيد مصر الذي لا إمكانية لدخول النساء إليه. أردت بذلك أن أنقل التجارب التي اختبرتها بنفسي هناك. ولكن جوانب إضافية ظهرت أيضاً. ففي خلال مدة إقامتي، لم أشهد على إعطاء الشيخ التعليمات للحفر من أجل البحث عن الكنوز فقط، بل شهدت أيضاً على قيامه بتعويذات الشفاء. ربما لأن الصعايدة مؤمنون بالعالم الميتافيزيقي، فقد تلتقي في كثير من الأحيان بأفراد مسكونين. على سبيل المثال، أطفال يتحدثون بأصوات رجال بالغين. ويفترض بطاردي الأرواح الشريرة أن يشفوا هذه الحالات. الفرق الوحيد هو أنهم يستخدمون القرآن بدلاً من الصليب. وقد رأيت ذلك بنفسي.
هاوبت وبيندر: هل ما زالت هذه المعتقدات الشامانية القديمة تؤثر في صعيد مصر؟ ألا تتعارض مع أقوال القرآن؟
وائل شوقي: نعم، هذا يتعارض مع القرآن، ولكن هذه حال جشع الإنسان. فمن الملفت كيف يتم استخدام النظام الميتافيزيقي لخدمة أغراض مادية بحتة. تستعمل هذه الوسائل مثل القرآن والسحر وكل ما يمكن تصوره لغرض مادي: الحفر للعثور على الكنز. يدرك الناس أنه إذا وجدوا شيئاً، يمكنهم أن يبيعوه بملايين من الدولارات، وهذا هو الهدف من كل هذا المسعى. وفي حال تم العثور على الكنز، تتبع قواعد معدة مسبقاً لتقسيم الغنيمة. فيحصل صاحب المبنى على الثلث، وينال الشيخ الذي استلهم الأرواح لقيادة البحث الثلث أيضاً، ويوزّع الباقي على الأفراد الذين قاموا بالحفر. وأحياناً ما تخصص حصة لرجال الشرطة الذين تولوا حماية الباحثين لأن عملية الحفر بحثاً عن الكنز غير شرعية بطبيعة الحال.
هاوبت وبيندر: لكن القصة التي يرويها الأطفال في العرابة المدفونة لا علاقة لها مباشرة بعملية البحث عن الكنوز الفرعونية. ما العبرة من قصة محمد مستجاب؟
وائل شوقي: تدور حول جيل يرث أيديولوجيات أسلافه، وإيمانه بها، وتطرّفه بمثل هذه الأفكار. في هذه القصة البسيطة، يتحدث محمد مستجاب عن قبيلة يكون زعيمها على شفير الموت، فيطلب منه أفراد القبيلة المحيطون به "كلمة أخيرة". قبل أن يموت، يجيب: "أنصحكم بأن تحصلوا على جمل". في ذلك الوقت، لم يكن أفراد القبيلة يستخدمون سوى الحمير ولا يعرفون بأي حيوانات غيرها. ولكن الآن قد حان للجوء إلى الجمال، فتأخذ هذه الفكرة بالتطور حتى يبدأون باستيراد الجمال. يصف محمد مستجاب كيف تبدأ الجمال بتحديد حياتهم كلها وكيف تتكيّف منازلهم وملابسهم وحتى، في مرحلة ما، مظهرهم مع هذه الجمال.
في وقت لاحق، يطلب من الزعيم الجديد، وهو على فراش الموت، أن يعطي تعليماته الأخيرة، فيقول: "أنصحكم بأن تحصلوا على بغل". ومرة أخرى، يتم تغيير جوهري. فجأة، يشعر الناس بالاشمئزاز من الجمال فيما يتعذر عليهم أن يفهموا كيف كانوا يعيشون مع هذه المخلوقات الغريبة في السابق. فجلبوا البغال، وتم التكييف نفسه الذي لجأوا إليه عندما سيطر عليهم هاجس الإبل، وصولاً إلى تكييف أجسامهم بحد ذاتها. تنتهي القصة مع زعيم ثالث وهو يقول لأفراد قبيلته قبيل وفاته: "أنصحكم بأن تحصلوا على خنزير". هذه قصة خفيفة وقصيرة وجميلة، ولكنني أظن أنها بغاية الأهمية في سياق مجتمع يعتمد على تراث أجداده ويأخذ القضية على محمل الجد.
هاوبت وبيندر: إنها أيضاً قصة رمزية تظهر لأي درجة يسمح المجتمع الساذج بأن يتلاعب به قادته الروحيون.
وائل شوقي: أجل، حتماً.
درس وائل شوقي (المولود في الاسكندرية في العام 1971) الفنون الجميلة في جامعة الاسكندرية وكلية الفنون الجميلة التابعة لجامعة بنسيلفانيا (الولايات المتحدة الأمريكية). في العام 2010، أنشأ برنامج ماس الاسكندرية. عرضت أعماله في دوكومنتا (13)في كاسيل (2012) من بين غيرها من المحافل الفنية. وائل شوقي هو من أول خمسة فنانين أعلن عن مشاركتهم في بينالي الشارقة الحادي عشرللعام 2013.
هاوبت و بيندر
جيرهارد هاوبت وبات بيندر رئيسا تحرير مجلة الفن نفس وشركاء في نشرها، وينشرا منذ عام 1997 المجلة الإلكترونية عوالم في عالم - عوالم الفن، ويعيشا في برلين - ألمانيا.
وائل شوقي. العرابة المدفونة
جائزة مؤسسة إرنست شيرينغ للعام 2011
26 آب/أغسطس – 21 تشرين الأول/أكتوبر 2012