تجمع الآلاف من الناس، في 25 نوفمبر 2009، أمام مركز إكسبو يوجياكرتا، وهو مركز المعارض الدولية في المدينة الجاوية المركزية يوجياكرتا. تحملت جماهير الناس حوالي ساعتين من الخطب الرسمية قبل افتتاح ما افترض أنه "المعرض الفني الأعظم في تاريخ أندونيسيا"، وهي معصورة بين حصان طوله 7 متر ومغطى بقماش مطلي وقمم رئاسية يصل وزنها لأطنان وحانات كثيرة تقدم الوجبات الخفيفة.
دعى معهد الفن الأندونيسي في يوجياكرتا (ISI)، بمناسبة عيده الخامس والعشربن، 550 من خريجيه لعرض ما مجمله 600 عمل فني على مساحة 800م2. الغاية من هذا المعرض هي عرض كيفية تطور الفن في أندونيسيا في العقود الأخيرة على الجماهير العريضة، "كما وعد منظموا الفعالية الكبيرة إكسبوزينجز في إعلانهم. كان مافعلته قاعة المعارض التي يملأها الفن بصدد المحتوى والتركيب أقل من المشهد الفني في يوجياكرتا في تهنئته لنفسه. فما لامجال للشك فيه، بأن ذلك المشهد هو الأكبر في أندونيسيا وأحد المشاهد الأكثر متعة في جنوب شرق آسيا.
"لم يعد يُنظَر للفن كعمل فني في المعارض المشابهة ل إكسبوزينجز، وإنما كهدف للاحتفال الرسمي. يصبح الفنانون هنا خدامين للقيمين الفنيين. فمهما يكن العمل رائعاً، فإنه لن يحوز على التقدير أبداً،" ينتقد نينديتيو أديبورنومو بصرامة، وهو فنان معروف ومدير دار سيميتي للفنون في يوجياكرتا، أحد جاليريهات الفن المعاصر الأكثر أهمية. "أنا أعتبر الفعاليات التي تشبه إكسبوزينجز خطيرة: هذا ليس بأي حال من الأحوال طريقاً للخلاص من المأزق الذي يعتري المشهد الفني هنا في الوقت الحاضر."
انتقل كثير من الفنانين من يوجياكرتا إلى قمة سوق الفنون الآسيوي بسبب الدوي الضخم الذي حدث في السنتين أو الثلاث الأخيرة، على الأغلب، ولكن يبقى القليل كما كان في الحاضرة الثقافية الأندونيسية. يندر الآن حجز الجاليريهات التي كانت شعبية، مثل المركز الثقافي الفرنسي، لأن توجهها ليس تجارياً.
ندر نماء موضوعا الفن التجريبي والاجتماعي كلاهما معاً؛ مازال عدد قليل من الفنانين يبيح لنفسه هذه الكماليات غير التجارية، التي اشتهرت بها يوجياكرتا في السابق. تم افتتاح 15 جاليري خاص في يوجياكرتا لوحدها على الأقل، في السنوات الثلاث الأخيرة. يركز معظمها على الأعمال الفنية الزخرفية، التي تنشأ في العادة بناءً على تعليمات من المقتنيين ودور المزادات.
لكن فقاعة دوي الفن الوامضة في يوجياكرتا انفجرت بعد الأزمة المالية العالمية التي حلت العام الماضي. وخصوصاً، أن الفنانين والطلاب الشباب الذين جرفهم الدوي التجاري قد تقطعت بهم السبل الآن: وأضحوا بدون تجربة ابداعية وبدون مفهوم. "لا يتصدى الشباب لمثل هذه التطورات بعد؛ فهم في البداية يجارون كل شيء. ولذلك يبدعون أعمالاً متقنة من الناحية الفنية، ولكن للأسف بدون أي عمق ذو شأن،" يوضحنينديتيو أديبورنومو. "سينجوا، الآن وبعد انحسار الدوي، الفنانون الذين يتمكنون من اعادة توجيه أنفسهم وتطوير مفهومهم الخاص فقط. ويجب علينا، في سبيل دعمهم، الشروع فوراً بالتفكير بكثافة أكبر في الممارسة الفنية."
أوقف سيميتي - التي كان دوماً سباقاً لعصره - معارضه الدورية بالفعل حينما تخدر الفن وهو يركز الآن على البرامج المقيمة المكثفة التي يعمل من خلالها الفنانون الأجانب والمحليون عن قرب ويتعلمون من بعضهم البعض. وتنفتح بعض الجاليريهات الأخرى في المدينة أيضاً للمزيد من المشاريع الفنية التجريبية. بل إن بينالي هذا العام أيضاً قد قرأ المكتوب على الحائط وأطلق ما يشبه برنامج البحث الانفرادي عن المشهد الفني للمدينة.
"لايجرؤ الفنانون في يوجياكرتا غالباً على استعمال العناصر التقليدية في أعمالهم لأنهم يعتقدون انها لن تكون معاصرة بما فيه الكفاية. لكن هذا الخليط هو بالذات قوتهم،" يقول صامويل اندراماتا عضو قريق القيمين الفنيين للبينالي، المعروف بالأخلاق في المساحات العامة. نريد، من خلال موضوع البينالي لهذا العام إزدحام يوجياكرتا، أن ندعو جميع الفنانين في المدينة للتوحد بالروح الجاوية gotong royong - التعاون المشترك التقليدي بين الجيران - من أجل إيجاد هيكلية جديدة للعمل الفني، بعد الدوي. وجهنا الدعوة في الأساس للفنانين المحليين بشكل مقصود، حتى نحافظ على عدم إزعاج العملية. ونأمل، في خطوة قادمة، أن نتمكن من العودة لعالم الفنون الدولي بمفاهيم جديدة."
يقوم الفنانون بأنفسهم، في بينالي يوجياكرتا لهذا العام، بالتنظيم الفعلي لكل المشاريع التجريبية. نادراً ما يجرؤ القيمون الفنيون - وهذه مهنة ماتزال في مرحلة النمو في أندونيسيا، على كل حال - أن يتجاوزوا المنطقة المريحة للمعارض. ويأتي الدعم هنا من مؤسسات الثقافة الأجنبية ومن ممولين من القطاع الخاص أحياناً، إن توفر ذلك على الإطلاق. يندر أن تقدم الحكومة أية مساعدات مالية.
"يحمل هذا النظام الذي يحصل على تمويل خاص فقط مخاطرة عالية جداً: يصعب على كثير من الفنانين عدم الاندماج التام في الفن الذي يسعى للكسب التجاري، لأن عليهم عادةً أن يتحملوا جميع التكاليف بأنفسهم، عند قيامهم بمشاريع فنية تجريبة وبالتالي لايمكنهم أن يتطوروا أكثر،" توضح ماري لي سورد، مديرة المركز الثقافي الفرنسي في يوجياكرتا. وهي تحذر، بصفتها أحد الذين يعرفون المشهد بتمعن، بأن الاعتماد المفرط على الممولين يعني ضياع "الولع الأصلي" للفن المحلي.
"إذن، من الذي يجب أن يتولى المشاريع الجديدة، إن لم نفعل ذلك بأنفسنا؟" يتسائل الرسام بوتو سوتاويجايا. وقد كان حصول أحد لوحاته على السعر القياسي في أحد المزادات في سينغافورة النذير لدوي الفن في يوجياكرتا قبل ثلاثة أعوام. "أنا مأزال أعتبر الدوي فرصة: لقد جعلنا معروفون. كرس كل واحد نفسه، في الأعوام الأخيرة، للسوق؛ وعلينا الآن أن نصنع المستقبل بأنفسنا."
بدأ الفنان، الذي ينحدر من بالي، ببناء مستقبله بالفعل: لقد افتتح، في دورة البينالي، معرضه الثاني، الذي يريد من خلاله أن يعطي فرصة للفنانين الشباب على وجه الخصوص. يقف المبنى الحديث بشكل كبير في وسط قرية الفنانين التقليدية ’نيتيبراوان’ الموجودة على مخارج يوجياكرتا ويهدف أيضاً إلى استضافة ورشات عمل وبرامج مقيمة لفنانين أجانب ونشطاء ثقافيين. "نحن ببساطة نحتاج إلى مساحة أكبر للتجربة. ما نوع هذه المدينة الثقافية التي لديها الكثير جداً من الأعمال الفنية المرتفعة السعر، ولكن ليس فيها مكان لعرضهم؟" يتسائل بوتو سوتاويجايا. "يوجياكرتا هي مركز نزعات يقبل جميع التأثيرات الخارجية. نحتاج الآن إلى رؤية تمكن فننا من إعداد طابع خاص به."
Christina Schott
Based in Jakarta, Indonesia. Works since 2002 as South-East Asian free-lance correspondent for German media. Co-founder of the correspondent's network weltreporter.net