أساطير معاصرة، معرض لوائل شوقي في غاليري شيتا ديل آرت في بييلا في إيطاليا، يركز على عمله الأخير: "كاباريه الحروب الصليبية: ملف عرض الرعب". في هذه المناسبة، لن تستضيف غاليري شيتا ديل آرت الفيلم وحسب، بل أيضاً عرض لنموذج مسرحي يوضّح بعض جوانب عملية الإنتاج المعقدة التي تمت في هذه الغاليري ومصر في خلال الأشهر السابقة للعرض. الجدير بالذكر أن وائل شوقي الذي يقيم ويعمل في الاسكندرية كان من الفنانين المقيمين في دار شيتا ديل آرت من 11 نيسان/أبريل إلى 4 تموز/يوليو 2010.
كاباريه الحروب الصليبية: ملف عرض الرعب يقدم لمحة عن تاريخ الحروب الصليبية راوياً أحداثاً وقعت على مدى فترة أربع سنوات (1096-1099) وأدت دوراً أساسياً في التطورات التاريخية اللاحقة لا سيما أنها تسببت باضطراب العالم العربي وعلاقاته بالغرب.
يشكل الفيلم ترجمة لأسباب وآثار الحملات العسكرية المرفوضة دينياً على شكل صور تسمح بإعادة بناء الأحداث من خلال عيون من اضطروا لمواجهة الغزو. فيوفّر شوقي وصفاً دقيقاً للأماكن في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا التي شكلت خلفية مبكرة للحملات الصليبية. وحرصاً منه على جعل هذه الحلقات نابضة بالحياة، استخدم دمى معبّرة جداً من مجموعة لوبي في تورينو التي ترقى إلى 200 عام. وتعدّ هذه الجوهرة من التقليد البييمونتي المحلي مثالية لتفسير الأحداث بشكل معاصر وعالمي. يتم تحريك الدمى بخيوط مرئية بشكل واضح علماً بأنها ترتدي ملابس شخصيات كانوا يشاركون في الجيوش المسيحية في أوروبا كما في الجيوش الإسلامية في خلال النزاعات. ومع أن الموضوع يعتمد على وثائق تاريخية ووقائع ملموسة، إلا أن العرض المقدّم يتسم بجو من السريالية والأسطورية يمزج بين الدراما والسخرية فيروي قصة أحداث غابرة لا يمكن أن تكون أكثر موضوعية اليوم.
إن مصدر إلهام هذا العمل هو "الحروب الصليبية كما رآها العرب"، وهو كتاب وضعه أمين معلوف في العام 1986 قبل تجدد الكراهية التي نشهدها اليوم. وكتاب هذا المؤلف اللبناني المقيم في فرنسا يبحث في تاريخ الحروب الصليبية عبر العودة إلى المؤرخين العرب وكتاباتهم التي لم يؤخذ معظمها بعين الاعتبار في الغرب مع أنه يستند إلى بعض المصادر والدراسات الغربية المعتبرة. أما الصورة التاريخية المبيّنة فنافذة وعالية المستوى وسياسية وموضوعية في آن معاً. ويعطي البحث لمحة عن الأعمال الوحشية التي ارتكبت في التاريخ باسم شعور غامض بالإذلال الديني، بل إنه شعور تم تبنّيه لأسباب اجتماعية واقتصادية معقدة أهمها رد فعل ضد البؤس واليأس الناجمين عن الطاعون الذي ضرب أراضي الإمبراطورية البيزنطية ما بين 541 و543 بعد الميلاد.
يبدأ فيلم شوقي بمشهد الطاعون الذي يعدّ من أبرز أسباب سقوط الحضارة الحضرية في المناطق الخاضعة لحكم القسطنطينية. وكانت هذه الأراضي لا تزال تحت سيطرة القسطنطينية وقد أنهكتها الحرب والتدهور الاقتصادي. من البديهي أن تؤدي هذه النظرة المأساوية للبؤس البشري إلى مذابح ومعارك وخيانات وحصارات ساهمت جمعيها في كتابة قصة الحروب الصليبية.
وبما أننا اعتدنا اعتبار الحروب الصليبية سباقاً مجيداً لتحرير القدس باسم الله، فقد نصاب بالذهول من الأحداث التي وقعت فعلاً. لم يكن الهدف يكمن في تحرير القبر المقدس، وإنما الاستيلاء على الأراضي التي كانت تابعة للأمبراطورية الرومانية حيث حاولت الكنيسة الكاثوليكية لعدة قرون بسط سيطرتها. واندرجت كل هذه الأحداث ضمن مسار غزو الشعوب والموارد الاقتصادية لقارة هي قارة أوروبا التي كانت تنازع لتبقى على قيد الحياة.
لطالما كانت الخيوط المستخدمة للتلاعب بالناس عبر التاريخ مرئية. وفي هذا السياق، أثبتت الخيوط المحرِّكة للدمى أنها وسيلة مثلى يلجأ الفنان المصري إليها ليروي قصة بعض من أفظع الأعوام في تاريخ البشرية. فقد يساعدنا التفكير بروية في هذه المسائل على التأمل في أخطاء الماضي التي لا تنفك عن الظهور مجدداً في دوامة لا تنتهي أبداً.
Judith Wielander
Curator of contemporary art projects focusing on public art and cultural activation. She currently works at the Art Office of Cittadellarte - Fondazione Pistoletto.
الراعية الفنية:
جوديث ويلاندر
كاباريه الحروب الصليبية: ملف عرض الرعب من إنتاج شيتا ديل آرت بالتعاون مع المهرجان المسرحي دير فيلت أوف إيسن في ألمانيا، حيث يمكن مشاهدته من 30 حزيران/يونيو إلى 17 تموز/يوليو 2010.
أقيم هذا المشروع بفضل جهود دانييلي لوبي ومجموعة أسرة لوبي من الدمى الثمينة التي تعود إلى 200 عام في تورينو، بيدمونت، إيطاليا.
وائل شوقي:
أساطير معاصرة
25 حزيران/يونيو 2010 –
1 آذار/مارس 2011