في أندونيسيا اليوم كما هو الحال في أي مكان آخر في العالم، لا يعمل المول كمكان للتسوق فقط، بل إنه أضحى أيضاً مكان عام، أو كاتدرائية لسكان المناطق الحضرية: مكان لتفكير الناس وتعبيرهم "عن أنفسهم."
في مقالته الناقدة عن تخطيط المدن في جاكارتا المعاصرة، يُعَرِف مراقب الثقافة الحضرية والمهندس المعماري "ماركو كوسماويجايا" المول كبناء تجاري عملاق أصبح رمزاً لطموح الناس نحو التقدم. أصبح عدد المولات في مدينة ما مقياساً لمدى تطور هذه المدينة وللكيفية التي بات عليها المجتمع. ما نوع نمط المعيشة الذي تتوق له مدينة عندما يقاس مدى تقدمها من خلال مول تسوق فقط؟ يمكننا التخيل أنه يكون بالنسبة لسكان المدن نمط معيشي قائم على الاستهلاك، حيث أصبحت عملية التسوق حاجة أساسية.
في نافذة العرض، تنظر أعمال ويوجا موهاردانتو الفنية في هذه القضايا. ولكن هذا المعرض لايشكل مرحلة جديدة للعروض الفنية لويوجا، حيث أنه قدم أعمالاً لمواضيع مماثلة في السنوات الأربعة الأخيرة. نافذة العرض هو معرضه الانفرادي الأول.
أنتج موهاردانتو معظم أعماله الفنية من خلال دراسته بعناية للأشياء ذات الثلاثة أبعاد وألوانها وأشكالها وأحجامها وجوهرها. وهذا لايعزى فقط لكونه حصل على تدريب رسمي في فن النحت، بل يرجع أيضاً لميله للوصول للنوعيات الرمزية لأشياء الحياة اليومية.
يفحص موهاردانتو مظهر ووظيفة الأشياء اليومية المنتجة بشكل ضخم ويصنع من خلال أعماله الفنية روابط وتصريحات ذكية ولايمكن التنبؤ بها . وقد أطلق وهو ما يزال في عامه الدراسي الثالث في "معهد باندونج التكنولوجي" سلسلة من التجارب لجمع شيئين عامين مختلفين، يمتلكان رابطة قوية أحدهما بالآخر (إما في الوظيفة أو في المعنى). كمثال، فقد جمع طابعة يدوية عتيقة مع حاوية بيضاء براقة، تذكرنا بتصميم الحاسوب النقال الأحدث عهداً (iType, 2005).
يتخطى استكشاف موهاردانتو الفني إلى ما هو أبعد من نية افساد وازعاج أو مقاطعة أشياء الحياة اليومية والبضائع الاستهلاكية. فهو يقدم في معرض حدث في (2006) في المساحة الفنية لسيلاسار سوناريو وعنوانه "الحاجة الملحة الحديثة لباندونج" مجموعة أسلحة مقلدة تشير ضمناً للعنف: سكاكين ومسدس من نوع AK 47. وقد صنع بشكل مثير للاهتمام أجسام هذه الأسلحة من جلود حقائب يد مقلدة لعلامات تجارية. وفي العمل - الذي عنوانه "سلسلة العنف أل في" – تتحول بضائع استهلاكية ذات علامات تجارية لتصبح مشابهة لأسلحة تهدد رغبات المستهلكين وتجبر الناس على الخضوع والاستسلام.
من هذه الانطلاقة في جمع الأشكال والارتباطات فيما بينها، أصبح ويوجا الآن ذو خبرة في التلاعب بالإشارات والمعاني. وأصبحت أعماله الفنية في المرحلة التالية في استكشافه الفني ناقدة بشكل متزايد، وكمثال لذلك عمله "الغزل"، 2007. حيث يشير العمل من خلال جمع مسند قرآن كريم محلي مع شكل قرص دوار، لتحول في وضع ثقافي، وخصوصاً فيما بين الشباب الأندونيسي الذي استبدل النشاط الديني الروحاني بهوايات مثل التسكع في الملاهي الليلية.
يفحص موهاردانتو من خلال أعماله الفنية ويفسد تفاعل الإشارات. وحتى يتمكن من فعل ذلك بطريقة تكفي لإثارة الاهتمام، يفضل موهاردانتو أن يعمل بطريقة تقليدية لبقة. وبرغم تعمده استخدام "الاشارات المتوفرة"، بدلاً من الأشياء المتوفرة، إلا أنه لايستغل أبداً أية مواد جاهزة الصنع بدون أن يضفي عليها لمسته الشخصية. هو يميل للاعتماد على مناهج فن النحت التقليدية، ليعيد خلق قطعه الفنية بمشقة تفضيلاً عن استخدام الأشياء المتوفرة. إنه متحمس فيما يتعلق بعملية فن النحت.
يستخدم الفنان أسلوب نمذجة في صياغة أعماله، أي عملية تشكيل أو تقليد نموذج بشكل يدوي. يستغرق الأسلوب وقتاً بشكل عام، وهو إجراء معقد. يستخدم الفنان هذا الأسلوب كاستراتيجية ليتجنب الانطباع بأن أعماله الفنية تبتكرها آلة، وكذلك أيضاً ليحيي الفكرة الرومانسية لفن النحت في ابتكار أشياء خاصة وحميمة. إنه ليس محض صدفة أن أعمال موهاردانتو ملموسة بشكل كبير، وأن العيوب هي علامة مهمة في عمل الفنان اليدوي. فمن المهم للفنان أن تكون أعماله بديل عن تلك المصنوعة آلياً – حتى يعرض فقط الاتقان الذي تستطيع قدرة الانسان أن تحققه وتقيسه.
أحد الأعمال الفنية التي تبين مهارته التقنية عالية المستوى، من حيث ابتكارها، هو عمله "السيارة متعددة الأجزاء (MPV)". إنها نسخة مطابقة لشيء ثلاثي الأبعاد مشوه بدرجة كبيرة أدت إلى إفساد معناه. ويمكننا ادراك المغزى في العمل الفني، وهو سيارة متعددة الأجزاء فخمة يابانية الصنع أبوابها تعمل بنظام الانزلاق. وفد تم نحت العمل بمقياس حقيقي (1 : 1). إنه يعبث بالوظيفة الطبيعية للباب بطريقة تبدو تهكمية ولكن مرحة في نفس الوقت: إنه "يقطع" العمل بشكل عمودي إلى ثلاثة أجزاء. ويضع في الداخل آلة وسكة آلية تسمح لجزئي السيارة الأمامي والخلفي أن ينزلقا من الخلف إلى الأمام، بينما يبقى الجزء الأوسط، حيث يجب أن يكون موقع الباب، ساكناً.
هناك عملان أعتبرهما فريدين: الرسم على شكل آلة والرسام على شكل آلة (2008). يتجاوز هذان العملان الفنيان حدود الأعمال ثنائية الأبعاد وثلاثية الأبعاد. أولهما هو عمل فني ثلاثي الأبعاد على كنفاس ومصنوع على شكل شاشة تلفاز منبسطة، بينما في ثانيهما، نجد بروجيكتور فيديو أيضاً مصنوع من الكنفاس يشير إلى الممارسات العامة للرسامين الواقعيين في استخدام برجيكتور عندما يبدأون رسم لوحاتهم تفضيلاً عن عملية التصميم. يشير هذان العملان لجعل الرسم سلعة – وخصوصاً في الرسم التفصيلي – الذي أضحى مواداً مطلوبة جداً في بيوت المزادات العلنية الإقليمية. في استكشافه الفني، يثبت موهاردانتو قدرته، ليس فقط على تشويه وإفساد الإشارات والرموز، ولكن أيضاً على توجيه النقد بطريقة حادة وقاهرة.
Agung Hujatnikajennong
Curator and art critic. Works as curator at Selasar Sunaryo Art Space, Bandung, Indonesia, since 2001.
القيم الفني:
آغونغ هًجاتنيكاجينونغ
نافذة العرض
12 ديسمبر 2008 –
18 يناير 2009