كان احتدام النقاش حول اختيارات لجنة التحكيم الرسمية بصالون الشباب العشرين أمرا متوقعا، لكن أحدا لم يكن ليتنبأ بمدى اشتعال الجدل حول الاختيارات الفنية للّجنة. كانت المناقشة، التي حفلت بمباريات الصياح والانسحابات الميلودرامية والفنانين الغاضبين المحبطين، جديرة بالمشاهدة. ففي حين جلس ثلاثة من أعضاء لجنة تحكيم الصالون (بسام الباروني وحسن خان ووائل شوقي) بجوار محمد طلعت (مدير قصر الفنون التابع لوزارة الثقافة) في انتظار وصول رئيس اللجنة (أحمد شيحة) ورئيس قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة المصرية (محسن شعلان) لبدء الندوة، تصاعد توتر الحضور. وأخيرا قام طلعت، بعدما أزاح اللافتات التي تحمل باقي الأسماء، بتقديم أعضاء اللجنة المتمردين إلى جمهور ينتظر بفراغ الصبر تفسيرا لاختيار 100 فنان فحسب من بين 1100 من المتقدمين، وهي سابقة في تاريخ الصالون. من الواضح أن المخاطرة كانت كبيرة- فالفنانون الشباب يتشبثون بأمل الاشتراك في الصالون بوصفه نقطة البداية الرسمية لمسيرتهم الفنية، كما أن أسلوب تصوير الإعلام السائد لقضية الشباب (والمناقشات المتواصلة حول "أزمة الشباب") يتحكم في نظرة المجتمع المصري لمكانه في عالم الفن والتساؤلات المتعلقة بمستقبله في مرحلة ما بعد الاستعمار.
أول سؤال وُجه إلى الفنان وعضو لجنة التحكيم حسن خان هو إن كانت لانتقائية اللجنة البالغة صلة بالآراء الفنية الشخصية لأعضائها أم أنها تعكس حالة الفن المصري المعاصر في أوساط الشباب. وقد بذل أعضاء هيئة التحكيم جهودا فردية وجماعية لشرح رؤية الدورة الحالية من الصالون بوصفها معرضا فنيا قبل أي شيء. فالصالون، كمسابقة، مطالب بتقديم أعلى مستويات الجودة، لا بعرض نسبة من الأعمال المقدمة فحسب. وقد انتقدوا الاعتقاد المتساهل بأن على الصالون أن يمثل منبرا ونوعا من التشجيع الأعمى للشباب. وكما أخذ وائل شوقي يذكر الجمهور مرارا وتكرارا، فالهدف من المعرض هو تسهيل عملية خلق حركة فنية معاصرة في مصر.
لكن أكثر المناقشات احتداما بلا منازع دارت حول أسئلة جمالية محددة أظهرت الطبيعة المسيسة للغاية للاختيارات الجمالية في السياق المصري. وقد تطرق أعضاء هيئة التحكيم تحديدا إلى مسألة الوسيط، والمفهوم الخاطئ الذي يعتبر استخدام فنون الميديا في حد ذاته دليلا على الطبيعة "المعاصرة" للعمل الفني. لذا أشاروا إلى اقتصار اختيارهم على ثلاثة أعمال فيديو وقليل من التجهيزات، في حين تواجدت الفنون التصويرية بصورة كبيرة (وهو ما أكدته لوحات مروة الشاذلي وأحمد فؤاد صالح الجريئة المؤثرة المعروضة حول المنصة). وقد وصلت مناقشة الوسائط الفنية إلى نبرة شبه هستيرية عندما سأل أحد أفراد الجمهور تحديدا عن مكان أعمال النحت- التي تراصت في صف واحد على مستوى قريب من الأرض في قاعة بالطابق الأعلى بحيث تظهر علاقة توتر ديالكتيكية بينها وبين مجموعة من الصور الفوتوغرافية. إن صور محمد أحمد منصور الشبيهة بأعمال جودار تقدمه في سلسلة من الأماكن، كمحطة الوقود والسوبرماركت، مع بالونة تحمل جمل مثل "هذه محطة الوقود المفضلة لدي"، وبالتالي تضع دور الفنان في مقدمة العمل بأسلوب ينم عن وعي بالغ بالذات. وبمجرد الإشارة إلى إزالة الهالة الشبه قدسية عن النحت (في تضاد ضمني مع التضخم المضاف إلى شيء يومي مثل سيارة محمود حمدي الموجودة أمام المعرض)، قاطع محسن شعلان المتحدث بعفوية مؤكدا أن مصر هي بلد النحت.
وعلى مستوى أكثر نظرية، تطرق أعضاء هيئة التحكيم إلى عدم مواءمة استخدام الرمزية الفجة أو الرسائل السطحية في الأعمال الفنية بوصفهما السبيل الأوحد للتواصل الفني؛ وانتقدت مفهوم الحداثة، أو لنكن أكثر دقة وحسب تعبير بسام الباروني، مشكلة الأسلوب الذي تم من خلاله فرض فكرة أو صورة معينة عن الحداثة. أما عن الحضور الساخطين المتحفزين لسماع قائمة بالشروط الصارمة لـ "الفن الجيد"، فقد أحبطت آمالهم إذ فوجئوا باكتفاء اللجنة بالتعبير عن توقع، تعجز الكلمات عن وصفه تقريبا، بأن يتمكن الفن من أن "يلمس شيئا" بينما يخلق لغة شكلية شخصية. أما عند شرح مفهوم الفن النمطي، فلم تكمن الصعوبة في المسائل النظرية بقدر ما تعلقت باعتبارات السلطة. فمن بين الفنانين الأكبر سنا، لم تقم سوى قلة قليلة بمناقشة هيئة التحكيم في الأسس النظرية التي استندت إليها قراراتها، في حين اتضح أن سبب سخطهم الفعلي هو رغبة السلطة في رؤية انعكاس لا نهائي لصورتها في تكرار الأساليب والصيغ الفنية للقدوة الرسمية. وبالفعل، فبمجرد سماعهم مصطلح "النمطية"، غادر أربعة أعضاء بالمؤسسة الفنية القاعة في ثورة عارمة.
وقد تكون أكثر سمات النقاش المحتدم مدعاة للأسف هي انصرافه عن مظاهر القوة والجدة في المعرض. فبفضل قلة عدد القطع المنتقاة، أتيحت فرصة عرض تجهيزات مثل لوحة ضخمة للمياء مغازي تمثل شاشة تلفاز مكتظة بالأيقوانات المتحركة والحية، وصناديق بالحجم الطبيعي مطلية باللون الفضي لأحمد بدري ("صنع الصين") في المدخل- ويعد أفضل مكان لمشاهدتها (وقراءتها) بسبب حجمها الضخم هو الطابق الأعلى - أي، وهي مصادفة ساخرة، من القاعة التي اصطفت بها أعمال النحت (التي أزيلت عنها الهالة الشبه قدسية بوضعها على مستوى قريب من الأرض). لكن الرنين العميق المتردد لاثنين من أبرز أعمال المعرض هو ما ذكّر الحضور بأن مهمة الصالون في نهاية الأمر هي أن يعنى بالعمل الفني. في "خلايا الصوت: أوركسترا كهرومغناطيسي"، أعاد مجدي مصطفي إحياء الطاقة الأقوى لتقنيات الصوت البائدة الخاصة بفترة الخمسينات والستينات من خلال بنية خلوية مظلمة، وفي "80 مليون"، وهو عدد سكان مصر حسب القول الشائع، قدم إسلام زين العابدين ومحمد حسام تجهيز فيديو رائع تمكن من خلاله إيقاع الطبلة المحموم الذي لا يقاوم من ملء قاعة العرض بالحضور، إذ أخذ المارة بعد وهلة يلاحظون الثنائي المنهمك بعزف الإيقاعات (بتناغم تام) بدون طبول.
سوف تنتظر الساحة الفنية بفراغ الصبر رد فعل المؤسسة الرسمية- ماذا ستفعل وزارة الثقافة؟ كيف سيؤثر هذا المعرض على دورات الصالون المقبلة؟ هل سيطلب من نفس الثلاثي الاشتراك في هيئة التحكيم من جديد؟ لقد أُعلن خلال الندوة بالفعل أن قطاع الفنون التشكيلية قد وعد بنشر دراسة نظرية للأعمال المعروضة في الصالون من إعداد عضوي اللجنة حسن خان وبسام الباروني. وسواء تحقق ذلك أم لا، فالصالون العشرين مثّل انفتاحة، وثغرة في صرح السلطة، وأملا في حوار مستقبلي.
Omnia ElShakry
Intellectual historian at the University of California, Davis. Currently writing on aesthetics and politics in contemporary Egypt.
صالون الشباب السنوي العشرين
(صالون الشباب)
29 مارس-
29 إبريل 2009
قصر الفنون
القاهرة، مصر
رئيس لجنة التحكيم:
أحمد شيحة
أعضاء لجنة التحكيم:
سحر الأمير
حسن خان
وائل شوقي
معتز الصفتي
محمد رضوان
بسام الباروني
هند عدنان
القوميسير العام:
جورج فكري