تعج التقارير المتعلقة بدبي بعبارات الثناء المبالغ فيه التي تتماشى مع استراتيجيات التسويق الرسمية. وبسبب قصص الثراء الفاحش، فمن غير المدهش أن يعتقد الغرباء أن المدينة تعد بمثابة منجم ذهب لسوق الأعمال الفنية. هذا السراب يجذب التجار والفنانين من أنحاء العالم وهو سبب رئيسي للاهتمام البالغ بـ"معرض دبي الفني"، الذي ستعقد قريبا دورته الثانية. ورغم أن الدلائل مبشرة بالفعل، تعرف قاعات العرض بدبي أنه لا يوجد بالإمارة من يتمنى أن يبدد أمواله على الفن، خاصة الفن المعاصر.
يعد مديرو"الخط الثالث"، أحد أكثر منابر الفن المعاصر التزاما في منطقة الخليج العربي، من أفضل الخبراء بهذا المجال. تقع قاعة "الخط الثالث" في مقر مخزن سابق بمنطقة القوز الصناعية المتربة. لا يمكن تخيل مشهد أكثر مغايرة لعالم مراكز التسوق والفنادق الفخمة المتلألئ الذي يسود صورة دبي في الإعلام. لكن ذلك يمكن أن يتغير على وجه السرعة، إذ يبدو أن أصحاب الأعمال الذين استقروا بالقوز ليسوا وحدهم من يتوقع تحول الحي في القريب إلى ما يشبه سوهو أو تشيلسي. وفي هذا السياق، صارت قاعة "الخط الثالث"، التي تلتزم بتشجيع الفنانين الموهوبين بمنطقة الخليج العربي ودعوة أبرز فناني منطقة الشرق الأوسط ، محل جذب خاص. ويسهم في ذلك، إلى جانب المعارض ذات المستوى الراقي، برنامج الأحداث الثقافية الذي يتضمن أفلام لمخرجين عرب وعروض لكتب ومناقشات مع فنانين وندوات وما إلى ذلك.
أسس "الخط الثالث" فريق من ثلاثة أشخاص في عام 2005. كلوديا تشيلليني و ساني رهبار هما مديرتا القاعة بدبي. أما عن الشريك الثالث، عمر غباش، فقد ولد بالإمارات، برأس الخيمة، ودرس الرياضيات ببريطانيا، وعمل بالسك الديبلوماسي ومجال الأعمال لسنوات عديدة، وهو حاليا نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة الإمارات بأبي ظبي (1). وفي حوار معهما في دبي، تحدثت ساني رهبار وكلوديا تشيلليني عن تأسيس وأهداف وعمل "الخط الثالث".
شبت ساني رهبار وسط عائلتها الإيرانية بدبي، وبعدما درست الفن في الولايات المتحدة، شكلت خبراتها الأولى في مجال تنسيق الأحداث الفنية. بعد عودتها إلى دبي في 2001، قامت مع زملائها ذوي الرؤية المشابهة بتنظيم أحداث فنية في مجال الأزياء والموسيقى والفنون. ثم قامت بعد ذلك بالعمل بصورة منتظمة في تنظيم المعارض في غرف تؤجرها أو يعيرها لها أصدقاؤها. "كان رد الفعل مبشرا للغاية، ورغم ان الجمهور لم يبد، في أول الأمر، سوى بعض الاهتمام والفضول، فقد بدأ مع الوقت في شراء، بل وجمع الأعمال الفنية." وبينما كانت ساني تفكر بافتتاح مساحة عرض فني خاصة بها، التقت صدفة بكلوديا تشيلليني. قدمت كلوديا من الولايات المتحدة، وعاشت بآسيا لسنوات طويلة، كما أدارت وكالة استشارات فنية من سنغافورة، وبدأت هناك برنامجا غير ربحي للتربية الفنية. كانت كلوديا قد بدأت في التنقل ما بين سنغافورة ودبي لأنها رأت في الإمارات الظروف المثالية لسوق فنية. "الموارد المالية، وكثرة الأشخاص الأذكياء وذوي التعليم الرفيع، ووجود شباب من جميع أنحاء العالم، خاصة من منطقة الشرق الأوسط، والحاجة لتنمية الصناعات الإبداعية...". في خلال أسبوعين، أعدت السيدتين النشيطتين خطة عمل.
بما أن المشروع مصمم كمنبر متعدد المجالات، فقد اختارتا تجنب مصطلح "قاعة عرض". وقد استقر رأيهما على "الخط الثالث"، وهي عبارة من قصيدة لشيخ الصوفية الإيراني، شمس التبريزي (1247+)، معلم وصديق الشاعر الشهير جلال الدين الرومي (1207- 1273)، لأنه يمكن فهمها كمجاز يعبر عن الحقيقة الخفية ما بين الأشياء والمجهول الذي لم يتم اكتشافه بعد، وهو وصف يمكن أن ينطبق على الفن. وفي الوقت ذاته، فهي تمثل إشارة إلى الشركاء الثلاثة بالمشروع. في بداية الأمر، تم النظر في إمكانية أن يكون "الخط الثالث" مساحة فنية غير تجارية. لكن احتماليات التمويل من قبل الإمارات العربية المتحدة والمؤسسات الدولية كانت ضئيلة للغاية كما اتضح أن العقبات البيروقراطية أكبر من اللازم، لذا فقد مثلت البنية التجارية الحل الوحيد لاستمرارية المشروع.
في واقع الأمر، يعتمد المشروع في المقام الأول على المبيعات. إذا فمن يشتري الفن؟ تقول ساني رهبار:"إن القطاع الأكبر من عملائنا يتكون من شباب من مختلف البلاد العربية يقطنون بدبي". ثم يليهم الأوروبيون والأمريكيون الموجودون بدبي من أجل العمل أو السياحة. "لكن عملنا يركز بالأساس على من يعيشون بالمنطقة ولهم جذور بها". وقد صار بعض المواطنين من هواة جمع الأعمال الفنية ضمن عملاء "الخط الثالث"، لكن لكونهم لا زالوا يمثلون شريحة ضئيلة، يظل تكريس الوقت الكافي للترويج للأعمال الفنية الموجودة بـ"الخط الثالث" أمرا في غاية الأهمية. وفي أحيان نادرة،، يمكن إيجاد ممولين للمعارض الفردية، كالبنوك والشركات التي ترغب في الظهور في المشهد الثقافي. وتقول ساني رهبار أن تحقيق توازن بين تقديم مشاريع جديدة ومثيرة للاهتمام، بل وقد لا تجذب المشترين لفرط جرأتها، والقيام في الوقت ذاته بعرض فن يسهل بيعه لضمان استمرارية المشروع، يمثل تحديا صعبا على الدوام. " نريد تخطي الحدود وعرض أعمال لم تر هنا من قبل. إننا نستمر في عرض أعمال فنية يصعب بيعها، مثل التجهيزات الفنية، ونعد أول قاعة بالمدينة تعرض أعمال فيديو. لكننا في أحيان نتلقى مفاجآت سعيدة، لأننا نبيع أعمال لم نعتقد في يوم أنها يمكن أن تباع. إن السوق يتحول بسرعة كبيرة، وتمتد أفضليات واهتمامات عملائنا لمجالات متنوعة". وحتى حين يتعلق الأمر بفنانين ذوي شهرة دولية لكن لا صيت لهم تقريبا بدبي، لا يمكن التكهن برد فعل الناس هنا، لأنهم يفهمون الأعمال من وجهة نظر مختلفة. وعلى سبيل المثال، ما يعتبر "غرائبيا" في مكان آخر يمكن أن يبدو عاديا للغاية في السياق المحلي، لأنه نبع من نفس البيئة.
هنا يفرض نفسه سؤال عن اصطدام "الخط الثالث" بحدود المجتمع الذي ينظمه الدين الإسلامي. تجيب كلوديا تشيلليني قائلة: "كثيرا ما يطرح علينا هذا السؤال. لم يحدث ذلك بعد، رغم أننا عرضنا كل ما رغبنا في عرضه تقريبا. لا شك في أنه يمكن طرح العديد من القضايا للنقاش هنا بدون التعرض لمشاكل". ويمكن حتى تقديم أعمال تحمل إشارات سياسية أو اجتماعية حساسة. العقبة الوحيدة هي العري الذي يمكن أن يفجر عرضه صعوبات حقيقية.
هل صحيح أنه يتم افتتاح العديد من قاعات العرض الجديدة بدبي؟ ترد كلوديا تشيلليني بالإيجاب. "إننا نتمنى أن يأتي العديد منها أيضا إلى منطقتنا، لأن ذلك يضفي اتساعا على الساحة الفنية ويعزز آليات التعاون". لكن ألا يتوقع الكثير منها تحقيق ثروة سريعة هنا؟ "ذلك حقيقي بالنسبة للبعض، وأيضا بالنسبة للعديد من الفنانين الذين يتصلون بنا – فهناك حوالي 3 فنانين يتصلون بنا يوميا. هناك اعتقاد سائد بأن جميع ما يعلق على حائط في دبي يباع. لكن ذلك ليس حقيقيا البتة. إننا نضطر لبذل مجهود كبير لإنجاز كل صفقة".
ما هي خطط "الخط الثالث" المستقبلية؟ تقول كلوديا تشيلليني: "رغم إدراكنا لضرورة تقديم المزيد لفنانينا على المستوى الدولي، فإننا مقتنعون في الأساس بأن مركز اهتمامنا يجب أن يكون هنا، في المشهد الفني الذي يخصنا، مع جمهورنا الخاص، وتطورنا الخاص". وتضيف ساني رهبار: "يجب دعم الأساس الموجود هنا. إننا نخطط لنشر بعض الإصدارات، تتمثل في كتب عن الفنانين، لأن ذلك سيسمح لنا بالوصول إلى مزيد من الناس ولأن المكتبات هنا لا توجد بها كتب عن الفنانين العرب"، وتستشهد بقول شريكهما الثالث، عمر غباش: "لقد شببت على قراءة كتب المؤلفين الغربيين، لكني أريد أن يقرأ أولادي لمؤلفين عرب ويشاهدوا فنا عربيا".
ملحوظة:
هاوبت و بيندر
جيرهارد هاوبت وبات بيندر رئيسا تحرير مجلة الفن نفس وشركاء في نشرها، وينشرا منذ عام 1997 المجلة الإلكترونية عوالم في عالم - عوالم الفن، ويعيشا في برلين - ألمانيا.
أسسه في أوائل عام 2005 ثلاثة شركاء:
ساني رهبار
كلوديا تشيلليني
عمر غباش