حلب، ثاني كبرى المدن السورية، هي موطن احدى المؤسسات الفنية الأكثر اثارة. عيسى توما، السوري من أصل أرمني والفنان والمقيم الفني والمصور عند الطلب، شغل مؤسسته كمكان للمعارض والتبادل الدولي منذ عام 1996.
عندما زرت عيسى توما في معرضه في أكتوبر 2007، كان يقوم بالتجهيز لمعرضين عن جدارين متفجرين سياسياً: سور برلين والجدار الفاصل بين إسرائيل وفلسطين، وقد صورت رولا حلاواني الثاني. بعض الأعمال المعروضة كانت متدلية من السقف، وذلك لزيادة حدة الانطباع بالعزل والفصل، وكأن سوراً يطعن قاعة العرض كالسيف؛ وكان القصد من ذلك التذكير بالحواجز النفسية والعقلية التي تفصل الناس عن بعضهم البعض.
عيسى توما ملِم كلياً بذلك وخصوصاً بالحواجز العقلية. انه مشهور في سوريا وعالمياً بعروضه ومشاريعه المبدعة والجريئة، التي يصعب استيعابها في بلدٍ معروف عنه أن مشهده الفني محافظ. عيسى ينظم مهرجان تصوير فوتوغرافي له شهرة عالمية، التجمع الدولي للتصوير الفوتوغرافي، وهو منتدى لتبادل الآراء والنقاش، ضم منذ نشأته في عام 1997 مصورين فوتوغرافيين مشهورين عالمياً وزملاء شباب لهم من سوريا. ومنذ عام 1999، أصبح "مهرجان فنون النساء" ركناً أساسياً آخر من نشاطات "لو بونت"، وقد استطاع اختراق المدينة المحافظة جداً من خلال فنون جديدة وأحياناً مثيرة للجدل.
في أعماله التصويرية الخاصة، يركز عيسى توما على مواضيع خالدة في مدينته الأم ويحقق في نماذج من الحياة الدينية التقليدية وكذلك العلمانية. ومفاهيم المهرجان أيضاً مليئة بهذه الانعكسات الانسانية. وبرغم الجدل الناجم عنه، فهو لا يدعو إلى أي برنامج سياسي، ولكنه بعبر فقط عن ايمان عميق أن باستطاعة الفن المساهمة في تقريب الناس من بعضهم، بغض النظر عن الجنسية والثقافة والحواجز الدينية. لكن الحكام في سوريا بالكاد يتخيلون أن فناناً يستطيع جذب مثل هذا الاهتمام الدولي الكبير من خلال الفن والروح الحرة فقط. التفكير بحرية وباستقلالية خطير في دولة مثل سوريا، وبالرغم من أن عيسى توما لايهتم بالنشاط السياسي، إلا أنه يقع تحت ضغط على الدوام وعليه دائماً أن يتوقع مضايقات. هو يقول أن ظروف عمله صعبة جداً. تفتش الشرطة الجاليري بكثرة، وينقطع التيار الكهربائي اعتباطاً خلال الفعاليات، حتى أحواض الزهور الموجودة أمام المدخل لم تسلم من التدمير.
في بلدِ يتوقع من الفنانين (وجميع المواطنين) أن يشاركوا في أنشودة الشكر الرسمية للقيادات والنظام، تشكل النفس المستقلة تحريضاً من نوع خاص. السيطرة الصارمة والرقابة على كل النشاطات الثقافية والفنية في سوريا تشكل عائقاً هائلاً أمام التطور الفني. من ناحية أخرى، يزداد حضور الفنانين السوريين في الجاليريهات الجديدة بدمشق وكذلك يتزايد الاهتمام حالياً بالفنون الشرق أوسطية، وبخاصة الرسامين، في الفعاليات الفنية الدولية، ولكن كثيراً من منتجي الفنون يعانون من ظروف قاهرة. ولهذا السبب بالذات، فإنه من الأهمية بمكان أن يشجع أمثال عيسى توما الفنانين الشباب على تقديم طاقات ابداعية جديدة.
وبرغم مراقبة سلطات الدولة وشكها في أعمال عيسى توما، إلا أن كثيراً من الناس من مختلف طبقات المجتمع يزورون الفعاليات والمعارض ويولونها اهتماماً عظيماً. وهكذا، يصادف المرء من بينهم الدبلوماسيون الأجانب، والفنانون، والمثقفون، وكذلك النساء المحجبات. وقد نال "لو بونت" اهتماماً دولياً منذ تسعينات القرن الماضي، خصوصاً بسبب التجمع الدولي للتصوير الفوتوغرافي. مصورون فوتوغرافيون مشهورون من العالم العربي من أمثال طارق الغصين، ورولا هنداوي، وأنس الشيخ عرضوا أعمالهم هنا، ، مع فنانين أوروبيين وأمريكيين. تركز النشاطات بشكل أساسي على التصوير الفوتوغرافي، ولكن "لو بونت" يعرض في بعض الأحيان تركيبات وفنون فيديو، يندر العثور عليها في سوريا.
ولكن الكثير من الوقت والجهد يضيع بسبب المشاكل المتواصلة مع جهاز السلطة. وهذا أيضاً يفسر لماذا لا يمتلك "لو بون" اتصال بالانترنت وموقع الكتروني خاص به. "لو امتلكنا ذلك، فلن ترى الشرطة فيه الا سبباً آخر لإزعاج عملنا." ولذلك يستخدم عيسى توما مقاهي الانترنت في المدينة كمكتب، يرسل منه دعوات عبر البريد الالكتروني ويتجنب بحذر أي ظهور في وسائل إعلام الدولة، التي تلمح أن نشاطات "لو بونت" تخريبية، ولها أبعاد سرية . الزوار الأوروبيون الذين يشعرون بفتنة رومانسية الثورة قد يجدون ذلك مثيراً، ولكن لأولئك الذين عليهم أن يعملوا في الأوضاع السورية، فإن ذلك ليس متعب فقط، ولكن أيضاً خطير. يبقى لنا فقط أن نأمل أن الوضع سيتحسن في المستقبل القريب وأن "لو بونت" سيقدر أن يفجر كل طاقات امكانياته الكامنة.
Charlotte Bank
Free lance writer, archaeologist and art historian. Lecturer in Arabic and Islamic art, and culture and event organizer.