يمكن الآن في الإمارات العربية المتحدة أن تنتقي ما تريده من بين الرؤى الثقافية المتوسعة. والأكثر بروزا منها هو مشروع خور دبي على طول الخليج في دبي [1ٍ] ومشروع جزيرة السعديات في أبوظبي [2] .عادة ما تكون الرؤية سياسة بدون تفكير كاف نظرا للبنية التحتية، وربما لسبب أهم وهو الموارد البشرية اللازمة لتنفيذ الرؤى. إذا ما آمنت الإمارات بفرضيتها الخاصة، فإنها قد باتت فعلا على الطريق لأن تصبح الموقد الثقافي في المنطقة. ولكن بدون تخطيط أفضل حول ’من" بدلا من ماذا، وأين ولماذا، فإن الرحلة قد تستغرق أكثر من المتوقع.
لنكن منصفين، فقد شهدنا الكثير من النشاطات الفنية الناجحة خلال فترة زمنية قصيرة، مما يدفعنا إلى الافتراض بأن هذه الرؤية بالذات قابلة للتحقق. وأكثرها وضوحا في دبي هو معرض فنون الخليج، الذي انعقد للسنة الثانية بين 19 و22 آذار إلى جانب آرت دبي، والذي أتى بأثر كبير على المدينة. تمخض عن السنة الماضية فعالية على الهامش، وهي معرض فنون الخليج، وهيئة خيرية للتثقيف الفني (ستارت) ومنتدى الحوار الفني الفصلي في الإمارات (السحابة المفكرة – The Thinking Cloud). كما أطلق مركز دبي المالي الدولي (DIFC) ’مواسم الفن‘؛ الذي ضم معارض، وعروض حية، وعرض أفلام وأعمال تركيبية.
كان معرض فنون الخليج حدثا مدته أسبوعين ولكنه نشر الشعور بأنه الأكثر انغراسا في المكان. فمن بين المشاركين ال 25 هذا العام، كان هناك 18 من دبي، واثنان من الشارقة وواحد من أبو ظبي. وضم هذا دارين للفنانين الإماراتيين، و3 شركات تصميم، و8 معارض (جاليري) و4 جامعات. وكان تجمع هؤلاء المسهمين الثقافيين من الإمارات العربية في مكان واحد حدثا لا سابق له مكن المؤسسات المحلية، التي تشكل البنية التحتية الثقافية الناشئة، من الاطلاع على المؤسسات الأخرى القائمة وعلى أعمالها. وقد كان هذا الحدث بمثابة فعالية مجتمعية لا يمكن تقدير قيمتها كما أنها أمر نادر في دبي.
ينعقد معرض فنون الخليج في منطقة البستكية الأثرية في دبي في برجي رياح من طابقين تم ترميمهما، ويحتوي كلاهما على مساحات داخلية تشمل غرف مصفوفة حول ساحة مركزية. المنطقة صغيرة ويمكن الانتقال بسهولة من دار إلى أخرى مشيا على الأقدام حيث يعج الفضاء الخارجي بالتماثيل وأعمال التركيب والعروض الحية مما يجعل من المنطقة كلها المكان الأمثل للفن. شركة تطوير التنموية تمتلك المنطقة بكاملها ولكن عدم استخدام البيوت باقي أيام السنة كان مشكلة نوعا ما.
الوقت القصير المتاح للتجهيز مع عدم توفر موارد المعارض (الجاليري) مثل القسامات ونظم التعليق أو خبراء التعليق يعني أن العمل لم يتم عرضه دائما بما يجعله في صورته الأفضل. كما زاد هذا من إمكانية تعرض العمل للأضرار كما يبدو أنه لم تكن هناك أي آليات تعاقدية أو تأمينية. هناك أيضا قضايا ذات علاقة بالصيانة مثل الإضاءة المكسورة ونظم التكييف التالفة وفي بعض الأحوال لم يتوفر للعاملين هذا العام وقتا كافيا لحل كل تلك المشكلات قبل ليلة الافتتاح.
شكلت عدم كفاية طواقم العمل المشكلة الأهم لكل من المنظمين والمشاركين. ففي الوقت الذي يستند فيه آرت دبي إلى مجموعة متوفرة من المتطوعين من برنامج التدريب الخاص به الذي افتتح العام الماضي، لم يتوفر لدى معرض فنون الخليج ما يكفي من الموارد البشرية. ولم تستطع الكثير من المعارض والمؤسسات المشاركة أن تقوم بمتابعة مقارها الخاصة بالإضافة لموقعها في معرض فنون الخليج على مدار أسبوعين. ونتج عن ذلك عدم فتح الكثير من البيوت في معرض فنون الخليج طوال أيام انعقاد المعرض وبشكل خاص خلال الأسبوع الثاني عندما عاد القادمون إلى آرت دبي إلى ديارهم. وهذا أمر مخزي لأن الأسبوع الثاني الأكثر هدوءا يعتبر فرصة عظيمة للزيارات المدرسية حتى وإن كانت القيمة التربوية لمثل تلك الرحلات أكبر بكثير في ظل وجود عدد أكبر ممن يؤدون دور المرشدين.
وقد أثرت قلة الموارد البشرية والمالية على قدرة معرض فنون الخليج على عمل الدعاية الكافية. فقد ركزت التغطية الإعلامية على آرت دبي لا محالة ولكن ثقافة الإعلام المحلي المستندة إلى ’بيانات القص واللصق الصحفية‘ لا تنفع أحدا. وربما تكون المفاجأة الأكبر الغياب التام لليافطات الكبيرة التي تشير إلى ’معرض فنون الخليج‘ في أي مكان!
مع ذلك، الكثير من الناس بمن فيهم الصحافيين وجامعي الأعمال الفنية، والطلاب والسياح تنقلوا بين الفعاليتين وزاروا المعارض الأخرى في دبي على آرت باص (حافلة الفنون). نظم الحافلة جام جار بتمويل من مركز دبي المالي الدولي وآرت دبي نفسه وقد أدت عملا عظيما. ويرجع نجاحها جزئيا إلى الحرية التي تأتي مع ضمان التمويل وكما هو حال التطوير الفني في بقاع العالم الأخرى، فإن الأمر يظل متعلقا بالتمويل. وقد يكون الوضع أكثر حدة هنا حيث هناك ميل إلى اعتبار الفنون كسلع بديلة. بالطبع ظهرت المنح من الحملات رفيعة المستوى التي تضمن البرستيج (الهيبة) الدولية، ولكن الدعم على نطاق أصغر للاستثمارات المحلية التي لا تحظى بالضرورة بهذه النتيجة المربحة ما زال في بداياته.
إذا، ما هو مصير معرض فنون الخليج العام القادم. من وجهة النظر التنظيمية فإن المشكلة الأساسية هي دائما غياب اليقين الدائم. في العام الفائت بدأ منظمو المعرض العمل قبل شهر من بداية المعرض مما لم يمنحهم الوقت الكافي لإيجاد جهات راعية أو توسيع المشاركة في مجلس الإدارة. كان الوضع هذا العام أحسن بكثير لأنهم كانوا متأكدين من انعقاد المعرض وتمكنوا على الأقل من تأمين بعض الجهات الراعية، ولكن "تطوير" لم تؤكد على توفيرها للدارين حتى قبل شهرين من افتتاح المعرض. أتى دعم الحكومة عبر مجلس دبي الثقافي وكانت هناك رعاية أضافية من شركة العقارات، جوردان بحيث كانت هناك قناعة معقولة بأن النجاح هذا العام سوف يضمن تمويلا أكبر العام القادم وربما يمكن البدء قبل وقت أطول. ولكن يظل الوضع غير مؤكد بعد أن أعلنت تطوير عن رؤيتها النهائية للبستكية في 10 نيسان.
كالعادة فان هذه الرؤية ايجابية جدا ولكنها أيضاً تتميز بشكل كبير جدا عن الرؤى الأخرى لأنها تمتلك المباني وكل ما تحتاجه هو بعض التعديلات وأعمال الصيانة الجدية. وبعدها ستحتوي على 10 جاليريهات، و7 استوديوهات للفنانين بموارد محلية من أجل ادارة برامج تبادل دولية ومسرح لأداء الفن. وستعززها 7 مطاعم ومقاهي، وثلاثة محلات تجارية تركز على الفن والموضة والتصميم بالاضافة الى 5 فنادق فخمة. تركز الفكرة على عرض حالة الثقافة المعاصرة للامارات العربية المتحدة والاقليم، وتشجعيع فنانوا ومصمموا الفن المعاصر المحليين والاقليميين، وانشاء مكان ثقافي دائم للمقيمين وللسواح. حتى أنها تطلق بعض مسارات جديدة للتنقل بالحافلات! لم يشر متى بالضبط ستكون جاهزة وما سيؤول اليه الحال بالنسبة لمعرض فنون الخليج ولكن ربما يرد ذلك في طي العنوان الرئيسي "للمهرجان". سيكون مثيراً للاهتمام أن نرى من سيصبح مقيماً دائماً في البستكية، مع أني متأكد أن العديد منهم سيكونون من الوجوه المألوفة في معرض فنون الخليج. سيكون مثيراً للاهتمام أيضاً أن نرى من أين يتزودون بالاحتياجات والمواد!
ملاحظات
فاليري غروف
فنانة وكاتبة في المجال الفني تقيم في لندن في المملكة المتحدة.
15-31 مارس 2008
البستكية، دبي