الحجاب: هو رمز التواضع والخصوصيّة والأنوثة إلاّ أنّه أيضا علامة ثقافيّة ودينيّة وسياسيّة. ترفع سامطا بن يحيى هذا الحجاب، المشحون بما يدّعي البعض أنّه صراع بين الإسلام والغرب، لتكشف عن حياة النساء في شمال أفريقيا.
بالنسبة للفنانة الجزائريّة-الفرنسيّة المقيمة في باريس، تصل هذه المحاولة إلى ما بعد المنطقة الجغرافيّة، كما ترسم "من تراث تلاحقت فيه عدّة حضارات الواحدة تلو الأخرى في شمال أفريقيا: البربريّة والأفريقيّة والعربيّة والغربيّة. تشكّل هذه الطبقات جميعها ثراء هذه [المنطقة]."
في معرضها الفرديّ الأوّل في متحف في الولايات المتحدة الأمريكيّة، تقدّم بن يحيى تجهيزا فراغيّا محددا بالموقع يتمدد عبر الأبواب ويحيط بالباحة الداخليّة لمتحف فاولر في لوس انجيليس. مستوح من الهندسة المعماريّة الأندلسيّة الطابع لمتحف فاولر، تضع الفنّانة قماش التلّ والفيلم الألكتروستاتيكي المطبوع بزخارف
المشربية [1] على الأبواب والنوافذ وتحيط باحة غاليريا في المتحف بستيّن شريحة مطبوعة بطبعة شكل زهرة "الروزيتا" ضخمة مزخرفة بالنجوم.
المشربية sوهي عادة ألواح خشبيّة تستعمل لفصل النساء عن الرجال، "تفصل الداخل عن الخارج، المساحة الخاصّة عن العامّة، تلعب بالضوء والحرارة بتشكيلها ظلا جميلا، تلعب بهذا الوضع الذي يسمح للمرء بمراقبة الخارج بدون أن تتمّ رؤيته، وبالتالي يحاكي حميميّة مرحّب بها،" تفسّر الفنانة في المقابلة الهاتفيّة. "فاطمة،" النمط الروزيتيّ (مثل الزهرة) المطبوع على هذه الشرائح، هي كذلك اسم نسويّ شائع في شمال أفريقيا. كانت المشربيّات سائدة في أوائل القرن العشرين في وقت كانت النساء فيه يُحفظن بعيدا عن مرآى العامّة.
المشربيات كانت المشربيّات سائدة في أوائل القرن العشرين في وقت كانت النساء فيه يُحفظن بعيدا عن مرآى العامّة.
أصبح هذا النمط الأندلسيّ العربيّ المبسّط المشذّب "النمط الأوّل في عملي،" تقول بن يحيى. "بدأت استعماله في 1992، أثناء ’السنوات السوداء‘ للجزائر." حيث كانت النساء في المقدّمة وبالنسبة لي، كان من المهمّ أن أُدخِلَ حضورا نسائيّا في التجهيزات الفراغيّة." قبضت الحرب الأهليّة الجزائريّة في تسعينيّات القرن اماضي على أكثر من 150000 حياة. بذلك الوقت كانت بن يحيى قد انتقلت إلى باريس حيث تسكن منذ 1988. لقد درست سابقا في إيكول ناشيونال سوبريور دي آرت ديكوراتيف في باريس (1974-1980) ودرّست في إيكول سوبريور دي بوزار في الجزائر (1980-1988).
"أعيش في كلا البلدين، أنا أمتدّ بين كلا البلدين، أنا أحتاج إلى كلا البلدين،" تؤكّد الفنانة. "العيش، استكشاف الحياة هنا [في باريس] أدّى بي إلى التساؤل في هوّيتي – من أنا، من أين آتي. كان الأمر يتعلّق بتكوين الرابطة، هذا الممر، هذا الذهاب والإياب بين الشاطئين هو الأمر الذي أحاول أن أعبر عنه من خلال عملي." هناك أدلّة لتناولها هذا الموضوع في كلّ جانب من جوانب أعمال بن يحيى تقريبا، من الموضوع المتكرر المعني بوضع النساء، إلى تمثيل الدور الرئيس إلى الدور الذي يلعبه المحيط المحلّي في تجهيزاتها الفراغيّة إلى استعمالها صورا أرشيفيّة.
في مساحة أصغر وأكثر حميميّة في متحف فاولر، علّقت الفنّانة ثماني صور ضخمة بالأبيض والأسود من أوائل القرن العشرين لنساء جزائريّات مأخوذة عن صور قديمة لأعضاء عائلتها – من ضمنهم هي، وخالتها وأمّها – وأولئك لصديقاتها. عندما يُنظر إلى هذه الصور من الباحة الداخليّة، يجب على المرء أن ينظر من خلال
المشربيات وبالتالي تنعكس الأدوار.
بالإضافة إلى الرسوم العربيّة الأندلسيّة الهندسيّة والصور الفوتوغرافيّة، يمكن للزائر أن يستمع إلى تسجيلات موسيقيّة وأشعار وأناشيد بالفرنسيّة والعربيّة عبر التجهيز الفراغيّ كلّه، يخلق هذا بالتالي مناخا كاملا حيث يغوص الزائر كليّا في عالم بن يحيى. يمكن سماع قصائد للشاعر وكاتب المسرحيّة والروائي الجزائريّ كاتب ياسين والذي، كما بن يحيى، وُلِد في المدينة الشرقية الشماليّة القسطنطينيّة لعائلة من أصل بربريّ. في جسر آخر بين الشرق والغرب، استعملت بن يحيى مطرّزات من القسطنطينيّة لتخلق روزيتات مطرّزة ضخمة تحيط بالباحة الداخليّة.
متأمّلة في تجربتها الشخصيّة الما بعد-استعماريّة للتغريب، تقدّم الفنانة عناصرا من هويّتها الجزائريّة المتعددة الطبقات في المحيط الغربيّ. "أسكن في الفراغ الذي قدّم نفسه لي.
المشربية ترمز إلى طريق للقاء والحوار والتبادل،" تفسّر الفنانة. "عندما يكون لديّ مشروع ما، آتي بمخططاتي إلاّ أنّي أحبّ أن أكون في المكان لأكيّفه بالتالي للمشروع ... يقرّبني هذا من الجمهور."
يسمح الترتيب المعبن
للمشربية تلتقط الضوء، تعكس في أوقات ظلالها على حيطان متحف فاولر والصور الفوتوغرافيّة للنساء. علاوة على ذلك، وفّرت الهندسة المعماريّة لمتحف فاولر مساحة مناسبة لتجهيز بن يحيى مما سمح لها بأن "تعيد بناء مكان نساء [شمال أفريقيا]." تشدد على أنّ هندسة المتحف "تجاوبت بشكل ممتاز مع مفهومي: الفراغ المربّع المحاط بغرف تشرف بنوافذها الواسعة الضخمة على ساحة مفتوحة للسماء ونافورة، النوافذ الشفافّة والماء والضوء ... التي سمحت لي للمرّة الأولى أن أضع عملي في سياق حقيقيّ."
في مركز الباحة الداخليّة، وضعت 40 مترا (131 قدما) من قماش التلّ الذي كوّن حركة متموّجة في نافورة ماء. عندما تمطر، يصبح التلّ غارقا تماما بالماء. بالنظر إليه من علوّ، يستذكر لونه الأزرق المركّز اللون الأزرق العميق للبحر الأبيض المتوسّط. "هذا تجهيز فراغيّ يعيش مع الوقت لأنّ عملي مهتمّ جدا بالوقت كذلك،" تقول الفنّانة. إن رأى المرأ التجهيز خلال النهار أو رآه بعد سقوط الليل فالتجربتان مختلفتان تماما.
أمام خلفيّة بمضمون معاصر حيث تُفضّل الهويّات الجماعيّة وحيث يتم النعلّق بالاختلافات عوضا عن التشابهات، تسعى بن يحيى أيضا لعكس المفاهيم المغلوطة العامّة وسوء الفهم. "في ضوء الأحداث الحاليّة التي تتطوّر الآن، أودّ ان أقدّم صورة مغايرة لما يمكن أن نفكّر به بالنسبة إلى المرأة، بالنسبة إلى النساء العرب،" تقول بن يحيى. "ليس هناك عنف فقط؛ هناك ثقافة ... هذه هي الطريقة الوحيدة، من خلال فنّي، التي يمكن لي أن أصوّر الأمر." تشدد كذلك على قلقها حيال نقل التوسّع المستمرّ لمجالات تأمّلها للجمهور.
وبالتالي يؤت بنا إلى هنا لا لنستكشف الجندر (الجنس) والفراغ فحسب، بل أيضا حوارا مدروسا بين الضوء والظل، بين الخاص والعام، بين الخارج والداخل، بين المرئي والغير مرئي.
الملاحظات:
Olivia Hampton
Journalist and art critic, based in Washington, DC, USA. Producer at the Washington Bureau of NHK (Japan Broadcasting Corporation). Born in Paris, France.
سامطا بن يحيى: هندسة الحجاب
28 يناير - 2 سبتمبر