لا يعتبر ازدياد عدد أعمال الفيديو آرت (أعمال فيديو فنية) المتميّزة الصادرة عن آسيا الوسطى أمرا مُفاجئا بالنسبة لمن كان يُتابع التيّارات في المعارض الدولية الكبيرة خلال السنوات القليلة الماضية. سجّلت مشاركة آسيا الوسطى في أوّل جناح لها على الإطلاق في بينالي فينيسيا 51 في عام 2005 [1]، الذي قام بتنسيقه فيكتور ميسيانو، لحظة حاسمة للمنطقة، حيث أكّد بأنّها إحدى آخر جبهات دنيا الفن العالمي. ظهر الفيديو، أكثر من غيره من الوسائل، كنوع من أنواع الـ
“لينغوا فرانكا” (اللغة المشتركة)، حيث نجحت هذه الوسيلة في ترجمة تجارب فناني آسيا الوسطى التي تبدو معزولة لجمهور عالميّ.
يتقدّم هذه الحركة الثنائي جلنارا كاسمالييفا ومرادبيك دجومالييف اللذان يسكنان ويعملان معا في بشكيك في قرغيزستان. كرّسا نفسيهما لمهمّة رعاية مجتمع فنّ معاصر حيويّ في بلدهما، حيث أُهمِلت البنية التحتية التقليدية للتعليم ودعم الفنانين من قبل الحكومة منذ زمن بعيد ولم يكن هناك أيّ وجود حقيقيّ لأي نموذج دعم خاص أو مؤسساتي أو من الشركات [2].
في الوقت ذاته، أنتج هذا الثنائي أعمالا خاصّة بهما من فيديو وصور فوتوغرافية وعروض أدائية، تهدف إلى الكشف عن عدّة طبقات من الهوية القرغيزية، من ضمنها الجذور البدوية والشامانية التقليدية، وماضيها السوفياتي، والموقع القلق للجمهورية الجديدة في النظام الرأسمالي العالمي الحالي. ممارستهما، في صُلبها، عملٌ يعيد تعريف مصطلحات الفن في وجه ما يُشير دجومالييف إليه بأنّه "الرهاب والتشكيك وخيبة الأمل الجماعية" التي يتشبّع بها المحيط الذي يسكنون به. بلحم الشاعريّ مع السياسيّ معا، يوظّفان الصورة المثيرة مع الهيكل الروائي البسيط ليحكيا قصصا مؤثّرة عن الكفاح الإنسانيّ والمثابرة والأمل في المستقبل.
أما عملهما الأخير والأكثر طموحا حتى الآن وهو تجهيز فيديو عنوانه
طريق حرير جديد: الحساب للاستمرار والأمل (2006)، والذي كان عرضه الأوّل في معهد الفن في شيكاغو في شباط/فبراير 2007، فيقدّم مجموعة إرشادات مجرّدة للمقاومة في وجه الصعوبات. حيث مرّ ماركو بولو يوما وقوافل الجمال والجياد محمّلة ببضائع البذخ الثمينة، ترسم كاسمالييفا ودجوماييف خريطة تحدد الأراضي الجديدة على طول الممرات العتيقة. يوثّقان قوافل الشاحنات القرغيزية والصينيّة وهي تنقل البضائع ذهابا وإيابا عبر الحدود فتجذب المجتمعات المبادرة إلى صناعة الأعمال من القرويين ليكوّنوا على الطريق مدنا صغيرة مؤقّتة. باستعمال عمليات التوثيق ضمن إطار عمل مفاهيميّ، يكشف الفنانان عن تجارب هؤلاء المقيمين المؤقّتين الذين عادوا، بعد ما يقارب من 75 عاما من الاستيطان الإجباريّ والفلاحة الجماعية في العهد السوفياتي، يعتمدون مجددا على التجارة وما يزالون، بعد أربعة قرون من اندثار الطُرق الأصلية، يسمون الطريق التي يرتزقون عليها باسم
جيبيك جول، أي طريق الحرير.
على مدى رحلة استمرت بضعة أيّام، سجّل كاسمالييفا ودجوماييف عملية تصنيف وتوضيب الحديد الخُردة للنقل على متن الشاحنات بين قرغيزستان وغرب الصين. وهما يتبعان القافلة المتجهة شرقا، التقطت كاميراتهما الجمال النحتيّ لناقلات العهد السوفياتي القديمة، معبّأة بالخُردة حتى حافّتها وبشكل خطير. وضِعت هذه الصور بمحاذاة صور تلك الناقلات الصينية الضخمة النظيفة والقوية التي تُسافر غربا إلى قرغيزستان مع بضائع جديدة وجاهزة للبيع. يحيك التجهيز المكون من خمس قنوات معا مشاهد للشاحنات في مشاهد طبيعية ومناظر المجتمعات الريفية التي طالما استوطنت الهضاب وكذلك القرى المؤقّتة التي تنمو الآن قريبا من الطريق انعكاسا للإمكانية الاقتصادية التي توفّرها الخُردة. من خلال مونتاج عالي الحرفية للفيديو والصوت، يقترب الفنانان من فهم الأنماط والإيقاعات التي يؤلّفها النشاط العشوائي، يكشفان عن الإنسانية في رواية تعتبر في صميمها عن الاقتصاد العالمي. تضيء جميع الشاشات معا بصورة شاحنات تطنّ متنقّلة عبر الجبال، تتبعها أصوات طرطقة تجميع وتصنيف وتحميل المعدن. نشعر نحن هنا بتجربة التحميل الإيقاعي وإلصاق الصناديق الضخمة في السوق الصاخبة قبل أن تعود عين الكاميرا إلى المشاهد الجبلية، حيث يلتقي سائقو الشاحنات وأهالي القُرى في احتفال مهرجاني. يعزف شاب على آلة الأكورديون ويغنّي أغان شعبية قرغيزية تقليدية، قصيدة تتغنّى بالمشهد الطبيعي الفريد لوطنه. تنغلق الحلقة، ونعود إلى الشاحنات، عماد الاقتصاد الجديد.
يحاول في المشهد الأخير طفل صغير على ظهر حصان تظهر عليه السعادة أن يُسابق شاحنة ثقيلة بحملها وهي تصعد تلّة ببطء ومن ثم تتجاوز القمة وتُسرع نحو البعيد، تاركة في النهاية الطفل والحيوان خلفها في غيمة من الغبار. إنّ ما قد يبدو أوّلا وكأنّه انتقاد رافض لآثار التقدّم على هذا المجتمع، هو في الحقيقة صورة للأمل. الوجود الذي عرفه هذا الطفل وأهله من قبله هو أمر يتغيّر حتما وسريعا، ولكن ها هو مستعدّ وشغوف، بالرغم من كلّ الصعوبات الواضحة، يمتطي جواده إلى المستقبل [3].
يتقدّم مشروع كاسمالييفا ودجوماييف، من دون الحنين إلى طريق الحرير القديم بكلّ معانيه الرومانسية، التيارات المتناقضة للوجود التي تواجهها الشعوب الحية التي تتنفّس على طول طُرق التجارة البالية هذه. يتجلّى اهتمام الفنانين بدرجة الحذق في المبادرة لصناعة الأعمال والمثابرة التي اتّصفت بها السنوات الحديثة الماضية، والتلميح إلى الإمكانيات التي يمكن أن تأتي بتقدّم.
ملاحظات:
Lisa Dorin
Assistant Curator of Contemporary Art at the Art Institute of Chicago.
حساب للاستمرار والأمل، 2006
تركيب فيديو بخمس قنوات، مزامن مع ثلاث وعشرين صورة c-print فوتوغرافية ذات أحجام مختلفة.